والمعنى : ما بالهُم يسرِعُونَ إليْكَ، ويجلسُونَ حولك، ويعملون بما تأمُرهُمْ.
وقيل : ما بالهم يسرعون في التكذيب لك.
وقيل : ما بالُ الذي كفروا يسرعون إلى السَّماع منك ليعيبوكَ ويستهزئوا بك.
وقال عطيةُ :" مُهْطِعيْنَ " : مُعْرضِيْنَ.
وقال الكلبيُّ : ناظرين إليك تعجُّباً.
وقال قتادةُ : مادِّين أعناقهم مديمي النظر إليك، وذلك من نظر العدو، وهو منصوبٌ على الحال.
قال القرطبيُّ : نزلت في جميع المنافقين المستهزئين، كانوا يحضرونه - عليه الصلاة والسلام - ولا يؤمنون به، و " قبلك "، أي : نحوك.
قوله :﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾.
أي : عن يمين النبي ﷺ وشماله حلقاً حلقاً وجماعات.
قوله :" عِزيْنَ "، حالٌ من " الَّذين كَفرُوا ".
وقيل : حال من الضمير في " مُهْطعِينَ " فيكونُ حالاً متداخلة، و " عَن اليَميْنِ "، يجوز أن يتعلق بـ " عزين " ؛ لأنَّه بمعنى متفرقين.
قاله أبو البقاء.
وأن يتعلق بـ " مُهْطِعيْنَ " أي : مسرعين عن هاتين الجهتين، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال، أي : كائنين عن اليمين.
قاله أبو البقاء.
و " عَزِيْنَ " جمع عزة، والعِزَة : الجماعة.
قال مكيٌّ.
قال مكيٌّ :" وإما جمع بالواو والنون ؛ لأنه مؤنث لا يعقل ؛ ليكون ذلك عوضاً مما حذفَ منه ".
٣٧٢
قيل : إن أصله : عزهة، كما أنَّ أصل سنة : سنهة، ثم حذفت الهاء، انتهى.
قال شهاب الدين : قوله : لا يعقل سَهْو، لأن الاعتبار بالمدلولِ، ومدلوله - بلا شك - عقلاء.
واختلفوا في لام " عِزَة " على ثلاثة أقوال.
أحدها : أنَّها " واو " من :" عزوته أعزوه "، أي : نسبته، وذلك أنَّ المنسوبَ مضمومٌ إلى المنسوب إليه، كما أنَّ كلَّ جماعةٍ مضموم بعضها إلى بعض.
الثاني : أنَّها " ياء "، إذ يقال " عَزيتُه " - بالياء - أعزيه بمعنى عزوته، فعلى هذا في لامها لغتانِ.
الثالث : أنَّها هاءٌ، وتجمع تكسيراً على " عِزَهٍ " نحو كسرة وكِسَر، واستغنى بهذا التكسير عن جمعها بالألف والتاء، فلم يقولوا :" عزات " كما لم يقولوا في " شفة وأمه : شفَات ولا أمات " استغناء بـ " شِفَاه وإماء ".
وقد كثر ورودُه مجموعاً بـ " الواو " والنون ؛ قال الراعي :[الكامل] ٤٨٦٨ - أخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنَّ عَشِيرَتِي
أمْسَى سَرَاتُهُم عِزينَ فُلُولا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٧١
وقال الكميت :[الوافر] ٤٨٦٩ - ونَحْنُ وجنْدَلٌ بَاغٍ تَركْنَا
كَتَائِبَ جَنْدلٍ شتَّى عِزينَا
وقال عنترةُ :[الوافر] ٤٨٧٠ - وقِرْنٍ قَدْ تَركْتُ لِذِي وليٍّ
عليْهِ الطَّيْرُ كالعُصَبِ العِزينِ
وقال آخر :[الوافر] ٤٨٧١ - تَرانَا عِنْدَهُ واللِّيلُ دَاجٍ
عَلى أبْوَابِهِ حِلقاً عِزينَا
وقال الشاعرُ :[الوافر] ٤٨٧٢ - فَلَمَّأ أن أتَيْنَ على أضَاخٍ
تَركْنَ حَصاهُ أشْتَاتاً عِزينَا
والعزة لغةً : الجاعة في تفرقة، قاله أبو عبيدة.
٣٧٣
ومنه حديث النبي ﷺ أنه خرج إلى أصحابه فرآهم حلقاً، فقال :" مَا لِي أراكثمْ عِزيْنَ، ألا تصفُّونَ كما المَلائِكةُ عِندَ ربِّهَا "، قالوا : وكيف الملائكةُ ؟ قال :" يتمون الصف الأول فيتراصون في الصف " وقال الأصمعيُّ : العِزُونَ : الأنصافُ، يقال : في الدَّار عزون، أي : أصناف.
وفي " الصِّحاح " : العِزَةُ " الفرقة من الناس.
وقيل : العِزَة : الجماعةُ اليسيرةُ كالثلاثة والأربعة.
وقال الراغبُ :" وقيل : هو من قولهم : عَزَا عزاء فهو عز إذا صبر، وتعزَّى : تصبَّر، فكأنَّها اسم للجماعة التي يتأسَّى بعضها ببعض ".
قال القرطبيُّ : ويقال : عِزُونَ، وعُزُون - بالضم - ولم يقولوا : عزات، كما قالوا : ثبات، قيل : كان المستهزئون خمس أرهُطٍ.
وقال الأزهريُّ : وأصلها من قولهم : عَزَا فلانٌ نفسه إلى بني فلانٍ يعزوها عزواً إذا انتمى إليهم، والاسم :" العَزْوَة "، كلُّ جماعةٍ اعتزوها إلى آخر واحد.
قوله :﴿أَن يُدْخَلَ﴾.
العامة : على بنائه للمفعول.
وزيد بن علي، والحسن، وابن يعمر، وأبو رجاء، وعاصم في رواية، قال القرطبي : وطلحة بن مصرف، والأعرج على بنائه للفاعل.
فصل في تعلق الآية بما بعدها لما قال المستهزئون، إن دخل هؤلاء الجنَّة كما يقولُ محمدٌ فلندخلنَّها قبلهم، أجابهم اله - تعالى - بقوله :﴿كَلاَّ﴾ لا يدخلونها، ثم ابتدأ فقال :﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ﴾ أي : أنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نُطفةٍ، ثم من علقة، ثم كما خلق سائر جنسهم، فليس لهم فضلٌ يستوجبون به الجنة، وإنما يستوجب بالإيمان، والعمل الصالح، ورحمة الله تعالى.
٣٧٤


الصفحة التالية
Icon