ثَلاثِينَ شَهْراً في ثلاثةِ أحْوالِ
" في " بمعنى :" مَعَ ".
وقال النحاس : سألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية.
فقال : جوابُ النحويين : أنه إذا جعله في إحداهن، فقد جعله فيهن، كما تقول : أعطني الثيابَ المعلمة، وإن كنت إنما أعلمت أحدها.
وجواب آخر : أنه يروى أنه وجه القمر إلى داخل السماء، وإذا كان إلى داخلها فهو متصل بالسماوات، ومعنى :" نُوْراً "، أي : لأهل الأرض، قاله السدي.
٣٨٩
وقال عطاءُ : نورٌ لأهل السماوات والأرض.
وقال ابن عباس وابن عمر : وجهه يضيء لأهل الأرض، وظهره يضيء لأهل السماء.
قوله :﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً﴾.
يحتمل ان يكون التقدير : وجعل الشمس فيهن - كما تقدم - والشمس، قيل : في الرابعة، وقيل : في الخامسة، وقيل : في الشتاء في الرابعة وفي الصيف في السابعة والله أعلم.
وقوله :" سِراجاً ".
يعني مصباحاً لأهل الأرض، ليتوصلوا إلى التصرف لمعايشهم، وفي إضاءتها لأهل السماء، القولان الأولان، حكاه الماورديُّ.
وحكى القشيريُّ عن ابن عباسٍ : أن الشمس وجهه في السماوات وقفاه في الأرض.
وقيل : على العكس.
وقيل لعبد الله بن عمر : ما بالُ الشمس تقلينا أحياناً وتبرد علينا أحياناً ؟.
فقال : إنَّها في الصيف في السماء الرابعة، وفي الشتاء في السماء السابعة عند عرش الرحمنِ، ولو كانت في السَّماء الدنيا، لما قام لها شيء.
ولما كانت الشمس سبباً لزوال الليل وهو ظل الأرض أشبهت السِّراجَ، وأيضاً فالسراجُ له ضوءٌ والقمرُ له نورٌ، والضوء أقوى من النور، فجعل للشمس كما قال ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً وَالْقَمَرَ نُوراً﴾ [يونس : ٥].
قوله :﴿وَاللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْضِ نَبَاتاً﴾.
يعني آدمَ - عليه الصلاة والسلام - خلقه من أديم الأرض كلِّها، قاله ابن جريج.
وقد تقدم بيانه.
و " نَبَاتاً ".
إما مصدر لـ " أنبت " على حذف الزائد، ويمسى اسم مصدر، لأن مصدر " أنْبَتَ " " إنباتاً " فجعل الاسم الذي هو النباتُ في موضع المصدر وإمَّا بـ " نَبَتُّمْ " مقدراً، أي :" فَنَبَتُّمْ نَبَاتاً "، فيكون منصوباً بالمضارع المقدر.
قال الزمشخريُّ : أو نصب بـ " أَنْبَتَكُمْ " لتضمنه معنى :" نَبَتُّمْ ".
قال أبو حيَّان : ولا أعقل معنى هذا الوجه بالثاني.
قال شهابُ الدين : هذا الوجه المتقدم، وهو أنه منصوب بـ " أَنْبَتَكُمْ " على حذف
٣٩٠
الزوائد ومعنى قوله : لتضمنه معنى " نَبَتُّمْ "، أي : مشتمل عليه، غاية ما فيه أنه حذفت زوائدهُ.
قال القرطبي :" وقال الخليلُ والزجاجُ : إنه محمول على المعنى، لأن معنى " أنْبتكُم " جعلكم تنبتون نباتاً.
وقيل : معناه أنبت لكم من الأرض النبات، فـ " نَبَاتاً " على هذا نصب على المفعول الصريح، والأول أظهر ".
قال ابن بحر : أنبتكم في الأرض بالكبر بعد الصغر، وبالطول بعد القصر، ثم يعيدكم فيها، أي عند موتكم بالدفن ﴿وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً﴾ بالنشور والبعث يوم القيامة.
والإنبات : استعارة بليغة، قيل : المراد أنبت أباكم.
وقيل : المراد أنبت الكلَّ لأنهم من النطف، وهي من الأغذية التي أصلها الأرض، وهذا كالتفسير لقوله :﴿خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾، ثم قال :﴿ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً﴾، هذا إشارة إلى الطريقة المعهودة في القرآن، من أنه تعالى لما كان قادراً على الابتداء، فه قادر على الإعادة، وقوله :﴿وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً﴾، أكده بالمصدر فإنه قال : يخرجكم حتماً لا محالة.
قوله :﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطاً﴾، أي : مبسوطة.
﴿لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾ أي : طرقاً واسعة، والسُّبُل : الطرقُ، والفجاجُ : جمع فجٍّ، وهو الطريق الواسعة، قاله الفراءُ.
وقيل : الفَجُّ : المسلك بين الجبلين، وفي " الأنبياء "، قدَّم الفجاج لتناسب الفواصل.
وقد تقدم الكلام على ذلك.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٨٠
قوله :﴿قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً﴾.
٣٩١


الصفحة التالية
Icon