وقول الآخر :[الطويل] ٤٨٨٦ - فَحيَّاكَ وُدُّ مَنْ هداكَ لعِسِّهِ
وخُوص بأعْلَى ذِي فَضالة هجِّه
قال القرطبي : قال الليث :" وَدٌّ " - بفتح الواو - صنم كان لقوم نوح، و " وُدّ " - بالضم - صنم لقريش، وبه سمي عمرو بن عبد ود.
وفي الصحاح :" والوَدُّ " بالفتح : الوتد في لغة أهل نجد، كأنهم سكنوا التاء وأدغموها في الدال.
والود في قول امرىء القيس :[الرمل] ٤٨٨٧ - تُظْهِرُ الوَدَّ إذَا مَا أشْجَذتْ
وتُواريهِ إذَا ما تَشْتَكِرْ
قال ابن دريدٍ : هو اسم جبلٍ.
و " ود " : صنم كان لقوم نوح - عليه الصلاة والسلام - ثم صار لكلب، وكان بدومةِ الجَندلِ، ومنه سموا بعبد ودّ.
قوله :﴿وَلاَ يَغُوثُ وَيَعُوقَ﴾.
قرأهما العامة بغير تنوين، فإن كانا عربيين : فالمنع من الصرف للعلمية والوزن، وإن كانا أعجميين : فالعجمة والعلمية.
٣٩٤
وقرأ الأعمش :" ولا يغوثاً ويعوقاً " مصروفين.
قال ابن عطية :" وذلك وهم، لأن التعريف لازم ووزن الفعل ".
انتهى.
قال شهاب الدين : وليس بوهم لأمرين : أحدهما : أنه صرفهما للتناسب إذا قبلهما اسمان مصروفان وبعده اسم مصروف كما صرف " سَلاسِل ".
والثانيك أنه جاء على لغة من يصرف غير المنصرف مطلقاً، وهي لغة حكاها الكسائي، ونقل أبو الفضل : الصرف فيهما عن الأشهب العقيلي، ثم قال : جعلهما " فعولاً "، فلذلك صرفهما، فأما في العامة : فإنهما صفتان من الغوثِ والعوقِ.
قال شهاب الدين :" وهذا كلامٌ مشكلٌ، أام قوله :" فعولاً " فليس بصحيح، إذ مادة يغث ويعق مفقودة، وأما قوله : صفتان من الغوث والعوق، فليس في الصفات ولا في الأسماء " يفعل " والصحيح ما قدمته ".
وقال الزمخشريُّ : وهذه قراءة مشكلة لأنهما إن كانا عربيين أو أعجميين، ففيهما المنع من الصرف، ولعله وجد الازدواج، فصرفهما لمصادفته أخواتهما منصرفات : ودّاً وسواعاً ونسراً، كما قرىء ﴿وَضُحَاهَا﴾ [الشمس : ١] بالإمالة لوقوعه مع الممالات للازدواجِ.
قال أبو حيَّان : كأنه لم يطلع على أن صرف ما لا ينصرف لغة.
فصل في بيان هذه الأسماء.
قال ابن عبَّاس وغيره : وهي أصنامٌ، وصور كان قوم نوحٍ يعبدونها، ثم عبدتها العربُ، وهذا قول الجمهورِ.
وقيل : إنَّها للعربِ لم يعبدها غيرهم، وكانت اكبر أصنامهم وأعظمها عندهم، فلذلك خصُّوا بالذكر بعد قوله :﴿لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً﴾.
وقال عروة بن الزبير : اشتكى آدمُ - عليه الصلاة والسلام - وعند بنوه : ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، وكان ود أكبرهم، وأبرّهم به.
٣٩٥
قال محمد بن كعب، كان لآدمَ خمس بنينَ : ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكانوا عُبَّاداً، فمات رجل منهم فحزنوا عليه، فقال الشيطان : أنا أصور لكم مثله، إذا نظرتم إليه ذكرتموه، قالوا : افعل، فصوَّره في المسجدِ، من صفر ورصاصٍ، ثم مات آخرُ، فصوره حتى ماتوا كلُّهم، وصوروهم وتناقصت الأشياءِ كما ينقص اليوم إلى أن تركوا عبادة الله تعالى بعد حين، فقال لهم الشيطان : ما لكم لا تعبدون شيئاً ؟.
قالوا : وما نعبدُ ؟ قال آلهتكم وآله آبائكم، ألا ترونها في مصلاكم ؟ فعبدونها من دون الله، حتى بعث الله نوحاً، فقالوا :﴿لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً﴾ الآية.
وقال محمد بن كعبٍ أيضاً ومحمد بن قيس : بل كانوا قوماً صالحين، بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم فلما ماتوا زيَّن لهم إبليس أن يصوروا صورهم ؛ ليتذكروا بها اجتهادهم، ليتسلوا بالنظر إليها فصوّروهم، فلما ماتوا هم وجاء آخرون قالوا : ليت شعرنا، وما هذه الصورُ التي كان يعبدها آباؤنا ؟ فجاءهم الشيطان فقال : كان آباؤكم يعبدونها فترحمهم وتسقيهم المطر، فعبدوها فابتدىء عبادة الأوثان من ذلك الوقت.
وبهذا المعنى فسر ما جاء في الصحيحين من حديث عائشةَ :" أنّ أم حبيبةَ وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بأرض الحبشة، تسمى مارية فيها تصاوير لرسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ :" إنَّ أولئِكَ كَانَ إذَا مَاتَ فيهِم الرَّجلُ الصَّالحُ، بَنَوا على قَبْرهِ مَسْجداً، ثُمَّ صوَّرُوا فِيْهِ تِلكَ الصُّورَ أولئك شِرارُ الخَلقِ عند اللَّهِ يَوْمَ القِيَامةِ " وذكر الثعلبيُّ عن ابن عباس قال : هذه الأصنام أسماء رجال صالحين، من قوم نوح فلمَّا هلكوا أوحى الشيطانُ إلى قومهم أن ينصبوا في مجالسهم أنصاباً، ويسمونها بأسمائهم وهذا بعيدٌ، لأن نوحاً - عليه الصلاة والسلام - هو الآمرُ لهم بتركها وذلك يدل على أنَّهم كانوا قبل نوحٍ، حتى أرسلَ نوحٌ إليهم.
وروي عن ابن عباس : أنَّ نوحاً - عليه الصلاة والسلام - كان يحرس جسد آدمَ - عليه الصلاة والسلام - على جبل الهند فيمنع الكافرينَ أن يطوفوا بقبره، فقال لهم الشيطانُ : إن هؤلاء، يفخرون عليكم ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم، وإنما هو جسد،
٣٩٦