وأنا أصوّر لكم مثله تطوفون به، فصوَّر لهم هذه الأصنام الخمسة، وحملهم على عبادتها، فلمَّا كان أيام الطوفانِ دفنها الطين، والتراب، والماء، فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطانُ لمشركي العرب وكانت للعربِ أصنام أخر، فاللات كانت لقديد، وأساف ونائلة وهبل، لأهل مكة.
قال الماورديُّ : فما " ود " فهو أول صنم معبود سمي " ودّاً " لودهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومةِ الجندلِ، على قول ابن بعاس وعطاء ومقاتل ؛ وفيه يقول شاعرهم :[البسيط] ٤٨٨٨ - حَيَّاكَ وُدٌّ فإنَّا لا يحلُّ لَنَا
لَهْوُ النِّساءِ وإنَّ الدِّينَ قَدْ عَزَمَا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٩١
وأما " سُواع " فكان لهذيل بساحل البحر في قولهم.
وقال ابن الخطيب :" وسُواع لهمدّان ".
وأما " يَغُوثُ " فكان لقطيف من مراد بالجوف من سبأ، في قول قتادة.
وقال المهدويُّ : لمراد ثم لغطفان.
وقال الثعلبيُّ : واتخذت - أعلى وأنعم - وهما من طيىء، وهل جرش من مذحج يغوث، فذهبوا به إلى مراد، فعبدوه زماناً، ثُمَّ بَنِي ناجية، أرادوا نزعه من " أنعم " ففروا به إلى الحصين أخي بني الحارث بن كعب بن خزاعة.
؟ وقال أبو عثمان المهدويُّ : رأيت " يغُوث " وكان من رصاص، وكانوا يحملونه على جمل أجرد، ويسيرون معه ولا يهيجونه، حتى يبرك بنفسه، فإذا برك نزلوا، وقالوا : قد رضي لكم المنزل فيه فيضربون عليه بناء، وينزلون حوله.
وأما " يعوق " فكان لهمدان ببلخ، في قول عكرمة وقتادة وعطاء، ذكره الماورديُّ.
وقال الثعلبيُّ : وأما " يعوق " فكان لكهلان من سبأ، ثم توارثه بنوه الأكبر فالأكبر، حتى صار في الهمداني.
وفيه يقول غط الهمداني :[الوافر] ٤٨٨٩ - يَرِيشُ اللَّهُ في الدُّنيَا ويَبْرِي
ولا يَبْرِي يعُوقُ ولا يَرِيشُ
وقيل : كان " يَعُوق " لمراد ؛ وأما " نَسْر "، فكان لذي الكلاع من حمير، في قول قتادة ومقاتل.
وقال الواقدي : كان " ودّ " على صورة رجلٍ، و " سُواع " على صورة امرأة،
٣٩٧
و " يَغُوث " على صورة أسد، و " يعوق " على سورة فرس، و " نَسْر " على سورة نسر من الطير، والله أعلم.
قوله :﴿وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً﴾، أي : الرؤساء فهو عطف على قوله :﴿وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً﴾، أو الأصنام، وجمعهم جمع العقلاءِ، معاملة لهم معاملة العقلاء لقوله تعالى :﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ﴾ [إبراهيم : ٣٦].
قوله :﴿وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ﴾.
عطف على قوله :﴿رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾ [على حكاية كلام نوح بعد " قال " وبعد الواو النائبة عنه، أي قال : إنهم عصوني]، وقال :" لا تَزِد "، أي : قال هذين القولين، فهما في محل نصب، قاله الزمخشريُّ.
قال :" كقولك : قال زيد نودي للصلاة، وصلِّ في المسجد يحكي قوليه، معطوفاً أحدهما على صاحبه ".
وقال بأو حيَّان :" ولا تَزِد " معطوف على " قَدْ أضلُّوا " لأنها محكية بـ " قَالَ " مضمرة، ولا يشترط التناسب في الجمل المتعاطفة، بل تعطف خبراً على طلب، وبالعكس خلافً لمن اشترط ذلك.
فصل في معنى " إلا ضلالاً " معنى قوله :﴿إِلاَّ ضَلاَلاً﴾.
قال ابن بحر : أي إلا عذاباً، لقوله تعالى :﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ﴾ [القمر : ٤٧].
وقيل : إلاَّ خسراناً.
وقيل : إلاَّ فتنة بالمال.
قوله :﴿مِّمَّا خَطِى ئَاتِهِمْ﴾.
" مَا " مزيدة بين الجار والمجرور للتوكيد، ومن لم ير زيادتها جعلها نكرة، وجعل " خَطِيئَاتهِم " بدلاً وفيه تعسف.
وتقدم الخلاف في قراءة " خَطِيئاتِهِم " في " الأعراف ".
وقرأ أبو رجاء :" خطيّاتهم " جمع سلامة إلاَّ أنه أدغم الياء في الياء المنقلبة عن الهمزة.
وقال أبو عمرو : قوم كفروا ألف سنةٍ فلم يكن لهم إلاَّ خطيَّات، يريد أنَّ الخطايا أكثر من الخطيَّات.
وقال قوم : خطايا وخطيات، جمعان مستعملان في القلة، والكثرة، واستدلوا بقوله الله تعالى :﴿مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾ [لقمان : ٢٧].
٣٩٨
وقال الشاعر :[الطويل] ٤٨٩٠ - لَنَا الجَفنَاتُ الغُرَ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى
وأسْيَافُنَا يَقْطُرونَ مِنْ نَجْدةٍ دَمَا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٩١


الصفحة التالية
Icon