وقرأ الجحدريُّ وتروى عن أبيِّ " خطيئتهم " بالإفراد، والهمز.
وقرأ عبد الله " مِنْ خَطئاتِهم مَا أغْرِقُوا "، فجعل " ما " المزيدة بين الفعلِ وما يتعلق به.
و " من " للسببية تتعلق بـ " أغْرقُوا ".
وقال ابنُ عطية : لابتداء الغايةِ، وليس بواضح.
وقرأ العامةُ :" أغرقوا " من " أغرق ".
وزيد بن علي :" غُرِّقُوا " بالتشديد.
وكلاهما للنقل، تقول :" أغرقت زيداً في الماء، وغرَّقته به ".
فصل في صحة " عذاب القبر " قال ابن الخطيب : دل قوله :﴿أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً﴾، على إثبات عذاب القبر لأنه يدل على أنه حصلت تلك الحالة عقيب الإغراق، ولا يمكن حمل حمل الآية على عذاب الآخرة وإلاَّ بطلت دلالة هذه الفاء، وأيضاً فقوله " فأدْخِلُوا " يدل على الإخبار عن الماضي، وهذا إنَّما يصدق لو وقع ذلك، وقال مقاتل، والكلبيُّ : معناه أنهم سيدخلون في الآخرة ناراً، ثم عبر عن المستقبل بلفظ الماضي ؛ لصدق وقوع وعده كقوله :﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف : ٤٤].
قال ابن الخطيب : وهذا ترك للظاهر، من غير دليل، فإن قيل : إنما تركنا الظاهر لدليل، وهو أن من مات في الماء، فإنا نشاهده هناك، فكيف يمكن أن يقال : إنهم في تلك الساعة أدخلوا ناراً ؟ فالجواب : إن هذه الإشكال، إنَّما جاء لاعتقاد أنَّ الإنسان هو مجموعُ هذا الهيكل، وهذا خطأ لأن الإنسان هو الذي كان موجوداً من أول عمره، مع أنَّه كان صغير الجثَّة في أول عمره، ثم إن أجزاءه دائماً في التحلل والذوبان، ومعلوم أن الباقي غير المتبدل، فهذا الإنسانُ عبارة عن ذلك الشيء الذي هو باقٍ، من أول عمره إلى الآن، فلمَ لا يجوز أن يقال : نقل الأجزاء الباقية الأصلية التي في الإنسان عبارة فيها إلى النار وإلى العذاب.
٣٩٩
ونقل القرطبيُّ عن القشيري أنه قال : هذه الآية تدل على عذاب القبر، ومنكروه يقولون : صاروا مستحقين دخول النار، أو عرض عليهم أماكنهم من النار، كقوله تعالى :﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً﴾ [غافر : ٤٦].
وقيل : أشار إلى ما في الخبر من قوله :" البحرُ نارٌ في نارِ ".
وروى أبو روق عن الضحاك في قوله تعالى :﴿أَغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً﴾، قال : يعني عذبوا بالنار في الدنيا في حالة واحدة، كانوا يغرقون في جانب ويحترقون في الماء من جانب.
ذكره الثعلبي.
وأنشد ابن الأنباري :[البسيط] ٤٨٩١ - الخَلْقُ مُجتمِعٌ طَوْراً ومُفْتَرِقٌ
والحَادثَاتُ فُنونٌ ذاتُ أطوَارِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٣٩١
لا تَعْجَبنَّ لأضْدادٍ قَد اجْتمَعَتْ
فاللَّهُ يَجْمَعُ بينَ المَاءِ والنَّارِ
قال المعربون :" فأدخلُوا " يجوز أن يكون من التعببير عن المستقبل بالماضي، لتحقق وقوعه كقوله :﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل : ١]، وأن يكون على بابه، والمراد عرضهم على النَّار في قبورهم كقوله في آل فرعون :﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً﴾ [غافر : ٤٦].
قوله :﴿فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَاراً﴾، أي : من يدعف عنهم العذابن وهذا يدل على أنهم إنما عبدوا تلك الأصنام لتدفع عنهم الآفاتِ، وتجلب المنافق إليهم فلما جاءهم العذاب لم ينتفعوا بتلك الأصنام، ولم يدفعوا عنهم العذاب وهو كقوله تعالى :﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا﴾ [الأنبياء : ٤٣].
﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾.
قال الزمخشريُّ :" ديَّاراً " من الأسماء المستعملة في النفي العام، يقال : ما بالدار ديار وديور، كقيَّام وقيُّوم، وهو " فَيْعَال " من الدارة أصله :" ديْوَار " ففعل به ما فعل بأصل " سيِّيد وميِّت " ولو كان " فَعَّالاً " لكان " دوَّاراً " انتهى.
يعني أنه كان ينبغي أن تصح واوهُ ولا تقلب ياء، وهذا نظير ما تقدم له من البحث في " مُتَحيِّز " وأن أصله :" مُتَحَيْوز " لا " مُتَفعِّل " إذا كان يلزم أن يكون " متحوِّزاً " لأنه من " الحَوْز " ويقال فيه أيضاً :" دَوَّار " نحو " قيَّام وقوَّام ".
وقال مكيٌّ : وأصله " ديْوَار " ثم أدغموا الواو في الياء مثل " ميِّت " أصله " ميْوِت " ثم أدغموا الثاني في الأول، ويجوز أن يكون أبدلوا من الواو ياء، ثم أدغموا الياء الأولى في الثانية.
٤٠٠