وثالثها : أن يعلم القومُ أنَّ الجنَّ مكلفون كالإنس.
ورابعها : أن تعلم أنَّ الجنَّ يستمعون كلاماً تفهمه من لغتنا.
وخامسها : أن يظهر المؤمنُ منهم بدعوى غيره من الجنِّ إلى الإيمان، وفي هذه الوجوه مصالحُ كثيرة إذا عرفها الناس.
فصل في بيان أصل الجن اختلف العلماءُ في أصل الجنِّ، فروى الحسنُ البصريُّ أنَّ الجنَّ ولد إبليس، والإنس ولد آدمَ - صلوات الله وسلامه عليه - ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون، وهم شركاء في الثَّواب العقاب، فمن كان من هؤلاء وهؤلاء كافرٌ فهو شيطانٌ، روى الضحاك عن ابن عباس أن : الجن هم ولد الجان، وليسوا شياطين ومنهم المؤمن ومنهم الكافر، والشياطين ولد إبليس، لا يموتون إلاَّ مع إبليس، وروي أن ذلك النفر كانوا يهوداً.
وذكر الحسن أنَّ منهم يهوداً ونصارى ومجوساً ومشركين.
فصل في دخول الجِنة الجَنة اختلفوا في دخول الجنِّ الجنةِ على حسب الاختلاف في أصلهم، فمن زعم انهم من الجانِّ لا من ذرية إبليس قال : يدخلون الجنَّة بإيمانهم، ومن قال : إنهم من ذرية إبليس فله فيهم قولان : أحدهما : وهو قول الحسن : يدخلونها.
الثاني : وهو قولُ مجاهد : لا يدخلونها فصل فيمن أنكر الجن قال القرطبيُّ : وقد أنكر جماعةٌ من كفرة الأطباءِ والفلاسفة : الجن، وقالوا : إنهم بسائط، ولا يصح طعامهم، اجتراء على الله والقرآن والسنة ترد عليهم، وليس في الملخوقات بسائط مركب من زوج، إنما الواحد سبحانه وتعالى، وغيره مركب، ليس بواحد كيفما تصرف حاله، وليس يمتنع أن يراهم النبي ﷺ في صورهم كما يرى الملائكة وأكثر ما يتصورون هنا في صور الحيات.
ففي الحديثِ :" أن رجلاً حديث عهدٍ بعرسٍ استأذن رسول الله ﷺ بأنصاف النَّهارِ أن يرجع إلى أهله " الحديث.
وفيه :" فإذا حية عظيمة مطوية على الراش فأهوى إليها بالرمح فانتظمها " وذكر الحديث.
٤٠٩
وفي الحديث :" أنَّه ﷺ قال :" إنَّ لهذه البيوتِ عوامر فإذا رأيتمْ منها شَيْئاً فحَرِّجُوا عليْها ثلاثاً، فإن ذهب وإلا فاقتلوه فإنه كافر " وقال :" اذهبوا فادفنوا صاحبكم " وذهب قوم إلى أن ذلك مخصوص بالمدينة كقوله في الصحيح :" إنِّ بالمدينة جنّاً قد أسْلمُوا "، وهذه لفظ مختص بها فتختص بحكمها.
قال القرطبي : قلنا : هذا يدل على أنَّ غيرهامن البيوت مثلها ؛ لأنه لم يعلل بحرمة " المدينة " ؛ فيكونُ ذلك الحكمُ مخصوصاً بها وإنَّما علل بالإسلام وذلك عام في غيرها، ألا ترى قوله في الحديث مخبراً عن الجنِّ الذين لقي وكانوا من جنِّ الجزيرة وعضد هذا قوله :" ونَهَى عَن عوامِر البيوتِ " وهذا عام وقد مضى في سورة البقرة.
قوله تعالى :﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً﴾، أي : قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم كقوله تعالى ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ﴾ [الأحزاب : ٣٧]، ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ﴾ [القصص : ٢٩] ﴿فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ [الأحقاف : ٢٩]، ووصف القرآن بـ " عَجَباً " إما على المبالغة، أي : خارجاً عن حد أشكاله إما في فصاحة كلامه، وإما في بلاغة مواعظه، أو عجباً من عظم بركته، أو عزيزاً لا يوجد مثله وإما على حذف مضاف أي ذا عجب، وإمَّا بمعنى اسم الفاعل، أي : معجب.
قوله " يَهْدِي " صفة أخرى، أي : هادياً.
﴿إِلَى الرُّشْدِ﴾.
قرأ العامةُ :" الرشد " بضمة وسكون، وابن عمر : بضمها وعنه أيضاً : فتحهما.
وتقدم هذا في الأعراف.
والمعنى : يهدي إلى الصواب.
وقيل : إلى التوحيد.
قوله تعالى :﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾، أي : بالقرآن، أي : فاهتدينا به، وصدقنا أنه من عند الله، ﴿وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً﴾، أي : لا نرجع إلى إبليس، ولا نطيعه، ولا نعود إلى ما كنا عليه من الإشراك، وهذا يدل على أنَّ أولئك الجنِّ كانوا مشركين.
قوله :﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى ﴾.
قرأ الأخوان وابن عامر وحفص : بفتح " أنَّ "، وما عطف عليها بالواو في اثنتي عشرة كلمة، والباقون : بالكسر.
وقرأ أبو بكر وابن عامرٍ :" وإنَّهُ لمَّا قَامَ عبد الله يدعوه " بالكسر، والباقون : بالفتح.
٤١٠


الصفحة التالية
Icon