وقيل : إنهم عنوا بذلك الجد الذي هو أبو الأب، ويكون هذا من الجنِّ.
وقال محمد بن علي بن الحسين وابنه جعفر الصادق والربيع : ليس لله تعالى جد وإنما قالته العرب للجهالة فلا يوحدونه.
قال القشيريُّ : ويجوز إطلاق لفظ الجدِّ في حق الله تعالى إذ لو لم يجز لما ذكر في القرآن، غير أنه لفظ موهم، فتجنُّبُه أولى.
قال القرطبيُّ :" ومعنى الآية : وأنه تعالى جدُّ ربّشنا أن يتخذ ولداً أو صاحبة للاسئناس بهما، أو الحاجة إليهما، والربُّ يتعالى عن ذلك كما يتعالى عن الأنداد والنظراء ".
وقوله عز وجل :﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً﴾، مستأنف، فيه تقرير لتعالي جده.
قوله :﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً﴾.
الهاء في " أنه " للأمر أو الحديث، و " سَفِيهُنَا " يجوز أن يكون اسم " كَانَ " و " يقُولُ " الخبر، ولو كان مثل هذه الجملة غير واقعة خبراً لـ " كَانَ " لامتنع تقديمُ الخبرِ حينئذ، نحو " سَفِيهُنَا يقُولُ "، لو قلت :" يَقُولُ سَفيْهُنَا " على التقديم والتأخير، لم يجز فيه والفرق أنه في غير باب " كَانَ " يلتبس بالفعل والفاعل، وفي باب " كَأنَ " يؤمن ذلك.
ويجوز أن يكون " سَفِيهُنَا " فاعل " يقُولُ " والجملة خبر " كَانَ " واسمها ضمير الأمر مستتر فيها، وقد تقدم هذا في قوله :﴿مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾ [الأعراف : ١٣٧] وقوله تعالى :﴿شَطَطاً﴾ تقدم في سورة الكهف مثله.
قال القرطبيُّ :" ويجوز أن يكون " كان " زائدة، والسفيه : هو إبليس، في قول مجاهد وابن جريج وقتادة.
وراه أبو بردة عن أبي موسى عن أبيه عن النبي ﷺ وقيل : المشركون من الجنِّ.
قال قتادةُ : عصاه سفيه الجن كما عصاه سفيه الإنس والشططُ والإشطاط : الغلو في الكفر.
٤١٥
قال أبو مالك : هو الجور وقال الكلبي : هو الكذب وأصله البعد ويعبر به عن الجور لبعده عن العدل وعن الكذب لبعده عن الصدق ؛ قال الشاعر :[الطويل] ٤٨٩٤ - بأيَّةِ حالٍ حَكَّمُوا فِيكَ فاشْتَطُّوا
وما ذَاكَ إلاَّ حَيْثُ يَمَّمَكَ الوَخْطُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٠٤
قوله :﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ﴾ أي : حسبنا ﴿أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾.
" أنْ " مخففة، واسمها مضمر والجملة المنفية خبرها، والفاعل بينهما هنا حرف النفي، و " كذباً " مفعول به، أو نعت مصدر محذوف، أي : قولاً كذباً.
وقرأ الحسن والجحدري وأبو عبد الرحمن ويعقوب :" تقَوَّل " - بفتح القاف والواو المشددة - وهو مضارع " تقوَّل " أي : كذب، والأصل : تتقوَّل، فحذف إحدى التاءين، نحو " تذكرون ".
وانتصب " كَذِباً " في هذه القراءة على المصدر ؛ لأن التقول كذب، فهو نحو قولهم :" قَعدْتُ جُلُوساً ".
ومعنى الآية : وأنَّا حسبنا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً، فلذلك صدقناهم في أن لله صاحبة وولداً حتى سمعنا القرآن وتبينا به الحق.
وقيل : انقطع الإخبار عن الجنِّ - هاهنا - قال الله تعالى جل ذكره لا إله إلا هو - :﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ﴾ فمن فتح، وجعله من قول الجنِّ ردَّها إلى قوله :﴿أَنَّهُ اسْتَمَعَ﴾، ومن كسرها جعلها من قول الله تعالى.
والمراد به ما كانوا يفعلونه، من قول الرجل إذا نزل بواد : أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في جواره حتى يصبح، قاله الحسن وابن زيد وغيرهما.
وقيل : كانوا في الجاهلية إذا أقحطوا، بعثُوا رائدهم، فإذا وجد مكاناً فيه كلأ وماءً رجع إلى أهله فسار بهم حتى إذا انتهوا إلى تلك الأرض نادوا نعوذُ بك بربِّ هذا الوادي إن تصيبنا فيه آفةٌ، يعنون من الجن، فإن لم يفزعهم أحد نزلوا، وإن أفزعهم الجن رجعوا.
قال مقاتل : أول من تعوذ بالجنِّ قومٌ من أهل اليمن، ثم من بني حنيفة، ثم فشا ذلك في العرب، فلَّما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم.
٤١٦
وقال كردم بن أبي السائب : خرجت مع أبي إلى المدنية أول ما ذكر النبي ﷺ فآواني المبيت إلى راعي غنمٍ، فلما انتصب الليل جاء الذئب، فحمل حملاً من الغنم، فقال الراعي : يا عامر الوادي جارك الله، فنادى منادٍ : يا سرحان أرسله، فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمةٌ، فأنزل الله تعالى على رسوله السيد الكامل المكمل سيدنا محمد ﷺ بمكة :﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادوهُمْ رَهَقاً﴾، أي : زاد الجنُّ الإنس رهقاً، أي : خطيئة، وإنما قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة رضي الله عنهم.
والرَّهقُ : الإثم في كلام العرب وغشيان المحارم، ورجل رهق إذا كان كذلك، ومنه قوله :﴿وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [يونس : ٢٧] ؛ وقال الأعشى :[البسيط] ٤٨٩٥ - لا شَيْءَ يَنْفعُنِي من دوُنِ رُؤْيتها
هَلْ يَشتفِي عَاشقٌ ما لم يُصِبْ رَهقَا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٠٤


الصفحة التالية
Icon