والقِدُّ - بالكسر - سير يُقَدّ من جلد غير مدبوغ، ويقال : ما له قد ولا قحف، فالقد : إناء من جلد، والقحف : إناء من خشب.

فصل في معنى الآية قال سعيد بن المسيِّب : معنى الآية " كنا مسلمين "، ويهود ونصارى ومجوساً ".


وقال السدي : في الجن مثلكم قدرية، ومرجئة وخوارج، ورافضة، وشيعة، وسنية.
وقال قوم : إنا بعد استماع القرآنِ مختلفون منا المؤمنون، ومنا الكافرون.
وقيل : أي : ومنا الصالحون ومنا المؤمنون لم يتناهوا في الصلاح.
قال القرطبيُّ رحمه الله :" والأول أحسن، لأنه كان في الجن من آمن بموسى، وعيسى، وقد أخبر الله عنهم أنهم قالوا :﴿إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [الأحقاف : ٣٠]، وهذا يدل على إيمان قوم منهم في دعاء من دعاهم إلى الإيمان، وأرضاً لا فائدة في قولهم : نحن الآن منقسمون إلى مؤمن وإلى كافر، والطرائق : جمع طريقة، وهي مذهب الرجل، أي : كنا فرقاً، ويقال : القوم طرائق أي : على مذاهب شتَّى، والقددُ : نحو من الطرائق وهو توكيد لها واحده : قدَّة، يقال : لكل طريقةٍ قِدَّةٌ ".
قوله :﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً﴾.
والظنُّ هنا بمعنى العلم، واليقين، وهو خلاف الظن في قوله تعالى :﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً﴾، " وأنَّهُم ظنُّوا "، أي : علماً بالاستدلال والتفكر في آيات الله تعالى، أنا في قبضته، وسلطانه لن نفوته بهرب، ولا غيره.
وقوله :" فِي الأرضِ "، حال، وكذلك " هَرباً " مصدر في موضع الحالِ، تقديره : لن نعجزه كائنين في الأرض أينما كنا فيها، ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء.
قوله :﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى ﴾، يعني القرآن " آمنَّا بِهِ "، وباللَّه، وصدقنا محمداً ﷺ على رسالته، وكان ﷺ مبعوثاً إلى الإنس والجنِّ.
٤٢٤
قال الحسن - رضي الله عنه - بعث محمدٌ ﷺ إلى الإنس والجن ولم يبعث الله قط رسولاً من الجنِّ ولا من أهل البادية ولا من النِّساء، وذلك قوله تعالى :﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى ﴾ [يوسف : ١٠٩].
وفي الحديث :" بُعثْتُ إلى الأحْمَرِ والأسْودِ "، أي : الإنس والجن.
وقد تقدم هذا الكلام في سورة الأنعام في قوله تعالى :﴿يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ﴾ [الآية : ١٣٠].
قوله :﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً﴾.
قال ابنُ عباس : لا يخاف أن ينقص من حسناته، ولا أن يزاد في سيئاته ؛ لأن البخس : النقصان، والرهق : والعدوان، وغشيان المحارمِ، وقد تقدم في بيت الأعشى.
قوله :" فَلا يَخَافُ "، أي : فهو لا يخافُ، أي فهو غير خائف ؛ ولأن الكلام في تقدير مبتدأ وخبر فلذلك دخلت الفاءُ، ولولا ذلك لقيل : لا يخف، قاله الزمشخريُّ.
ثم قال :" فإن قلت : أي فائدة في رفع الفعل، وتقدير مبتدأ قبله حتى يقع خبراً له ووجوب إدخال الفاء، وكان كل ذلك مستغنى عنه بأن يقال : لا يخف ؟.
قلتُ : الفائدة أنَّه إذا فعل ذلك فكأنه قيل :" فهُو لا يخَافُ "، فكان دالاً على تحقيق أن المؤمن ناجٍ لا محالة وأنَّه هو المختص بذلك دُون غيره ".
قال شهاب الدين :" وسببُ ذلك أن الجملة تكون اسمية حيئنذٍ، والاسمية أدلُ على التحقيقِ والثبوتِ من الفعلية ".
وقرأ ابن وثاب والأعمشُ : بالجزم، وفيها وجهان : أحدهما : ولم يذكر الزمخشريُّ غيره، أن " لا " نافية، والفاء حينئذ واجبة.
والثاني : أنها نافية، والفاء حينئذٍ زائدةٌ، وهذا ضعيفٌ.
وقوله " بَخْساً "، فيه حذف مضاف، أي : جزاء بخس، كذا قرره الزمخشريُّ.
وهو مستغنى عنه.
وقرأ ابن وثاب :" بَخَساً " بفتح الخاء.
قال القرطبيُّ : وقرأ الأعمش ويحيى وإبراهيم :" فَلا يَخفْ " جزماً على جواب الشرط، وإلغاء الفاء أيضاً.
٤٢٥
قوله :﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾.
أي : وأنا بعد استماع القرآن مختلفون، فمنا من أسلم ومنا من كفر، والقاسط : الجائر لأنه عادلعن الحق، والمقسط : العادل لأنه عادل إلى الحق، قسط : غذا جار، وأقسط : إذا عدل ؛ قال :[الكامل] ٤٩٠٨ - قَوْمٌ همُ قتلُوا ابنَ هِنْدٍ عَنْوةً
عَمْراً وهُمْ قَسطُوا على النُّعمَانِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٠٤


الصفحة التالية
Icon