وقال القرطبي :" المراد بها البيوت التي تبينها أهل المللِ للعبادة ".
قال سعيد بن جبير رضي الله عنه : قالت الجن : كيف لنا ان نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك ؟ فنزلت :﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾، أي : بنيت لذكر الله ولطاعته.
وقال ابن عبَّاسٍ : المساجد هنا مكة التي هي القبلة، وسميت مكة مساجد، لأن كلَّ أحد يسجد إليها.
قال القرطبيُّ :" والقول بأنها البيوت المبنية للعبادة، وهذا أظهر الأقوال، وهو مروي عن ابن عباس ".
قال ابن الخطيب :" قال الواحديُّ : وواحد المساجد - على الأقوال كلِّها - " مسجد " - بفتح الجيم - إلا على قول من يقول : إنها المواضع التي بنيت للصلاةِ ؛ فإنَّ واحدها " مسجد " - بكسر الجيم - لأن المواضع، والمصادر كلَّها من هذا الباب - بفتح العين - إلا ي أحرف معدودة وهي : المسجد، والمطلِع، والمنسِك، والمسكِن، والمنبِت، والمفرِق، والمسقِط، والمطلع والمسكن والمفرق، وهو جائز في كلِّها وإن لم يسمع ".
قوله :" للَّهِ ".
إضافة تشريف وتكريم، ثم خص بالذِّكر منها البيت العتيق، فقال تعالى :﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ﴾ [الحج : ٢٦] وقال - عليه الصلاة والسلام - :" لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاَّ إلى ثلاثةِ مساجدَ " وقال - عليه الصلاة والسلام - :" صَلاةٌ فِي مَسْجدِي هذا خَيْرٌ مِنْ ألْفِ صلاةٍ فيما سواهُ إلاَّ المَسجد الحَرامَ " وقد روي من طريق آخر لا بأس بها " أن النبي ﷺ قال :" صَلاةٌ في مَسْجدِي هذا خَيْرٌ من ألفِ صلاةٍ فِيمَا سِواهُ إلاَّ فِي المسْجِد الحَرامِ، فإنَّ صلاةٌ فِيهِ خَيْرٌ مِنْ مائةِ ألفِ صلاةٍ في مَسْجديْ هَذَا "
٤٣٢
قال القطربي :" وهذا حديث صحيح ".
فصل في نسبة المساجد إلى غير الله فإن قيل : المساجد وإن كانت لله ملكاً وتشريفاً فإنَّها قد تنسب إلى غيره تعالى تعريفاً كما قيل في الحديث :" سابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق ".
ويقال : مسجد فلان، لأنه حبسه، ولا خلاف بين الأمة في تحبيس المساجدِ والقناطرِ والمقابرِ، وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك.
فصل في معنى الآية معنى :﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ لا يذكرُ فيها إلا اللَّهُ تعالى فإنَّه يجوز قسمةُ الأموالِ فيها، ويجوز وضعُ الصدقات فيها، على رسم الاشتراك بين المساكين، والأكل فيها، ويجوز حبسُ الغريمِ فيها والنوم، وسكن المريضِ فيها، وفتح الباب للجار إليها وإنشاد الشعر فيه إذا عري عن الباطل.
قوله :﴿فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾.
وهذا توبيخٌ للمشركين، في دعواهم مع الله غيره في المسجد الحرام.
وقال مجاهد : كانت اليهودُ، والنصارى إذا دخلوا كنائسهم، وبيعهم أشركوا بالله تعالى، فأمر الله تعالى نبيه ﷺ والمؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة الحق إذا دخلوا المساجد كلها، فلا تشركوا فيها صنماً وغيره مما يعبد.
وقيل : المعنى أفردوا المساجد لذكر الله، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيباً، وفي الحديث :" مَنْ نَشدَ ضالَّةً في المسجد فقولوا : لا ردَّها اللَّه عليكَ، فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا " وقال الحسن : من السنة إذا دخل رجل المسجد أن يقول : لا إله إلا الله، لأن قوله تعالى ﴿فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾ في ضمنه أمر بذكر الله ودعائه.
وروى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنه - " أن النبي ﷺ كان إذا دخل المسجد قدَّم رجله اليمنى وقال :" وأنَّ المسَاجِدَ لِلَّهِ فلا تَدْعُوا مع اللَّهِ أحداً، اللَّهُمَّ إني عبدُكَ وزائِرُكَ وعلى كُلِّ مزُورٍ حقٌّ لزائره، وأنْتَ خَيْرُ مزُورٍ، فأسْألُكَ بِرحْمتكَ أنْ تَفُكَّ رقَبَتِي من النَّارِ " فإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى وقال :" اللَّهُمْ صُبَّ عليَّ الخَيْرَ صباً
٤٣٣