قوله ﴿وَرِسَالاَتِهِ﴾.
فيه وجهان : أحدهما : أنها منصوبة نسقاً على " بلاغاً "، كأنه قيل : لا أملك لكم إلا التبليغ، والرسالات ولم يقل الزمخشري غيره.
والثاني : أنها مجرورة نسقاً على الجلالة، أي : إلا بلاغاً عن الله وعن رسالاته، قدره أبو حيَّان وجعله هو الظاهر، ويجوز في جعله " مِنْ " بمعنى " عَنْ "، والتجوز في الحروف رأي الكوفيين ومع ذلك فغير متعارف عندهم.
قوله :﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾، في التوحيد، والعبادة ﴿فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾، العامة : على كسر " إن " جعلوها جملة مستأنفة بعد فاء الجزاء.
قال الواحديُّ :" إن " مكسورة الهمزة لأن ما بعد فاء الجزاء موضع ابتداء.
ولذلك حمل سيبويه قوله :﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ [المائدة : ٩٥]، ﴿وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً﴾ [البقرة : ١٢٦] ﴿فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً﴾ على أن المبتدأ فيها مضمر تقديره : فجزاؤه أنَّ له نار جهنَّم، أو فحكمه أنَّ له نار جهنَّم.
قال ابن خالويه :" سمعت ابن مجاهد يقول : لم يقرأ به أحدٌ، وهو لحنٌ، لأنه بعد فاء الشرط، قال : سمعتُ ابن الأنباري يقول : هو صواب، ومعناه : فجزاؤه أنَّ لهُ نار جهنَّم ".
قال شهاب الدين : ابن مجاهد، وإن كان إماماً في القراءات إلا أنه خفي عليه وجهها، وهو عجيبٌ جداً كيف غفل عن قراءتي ﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأنعام : ٥٤] في " الأنعام "، لا جرم أن ابن الأنباري استصوب القراءة لطول باعه في العربية.
قول " خالدينَ ".
حالٌ من الهاء في " له "، والعامل الاستقرار الذي تعلق به هذا الجار وحمل على معنى " مِنْ " فلذلك جمع ؛ لأن المعنى لكل من فعل ذلك فوحد أولاً اللفظ، ثم جمع المعنى.
فصل في رد كلام المعتزلة استدل جمهور المعتزلة بهذه الآية الكريمة على أن فُسَّاق أهل الصراة يخلدون في النار ؛ لأن هذا العموم أقوى في الدلالة على المطلوب من سائرِ العمومات، وأيضاً : فقوله " أبداً " ينفي قول المخالف بأن المراد بالخلود المكثُ الطويلُ.
والجوابُ : أنَّ السياقَ في التبليغ عن الله، والرسالة، ثم قال تعالى :﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ وإذا كان هنا محتملاً سقط الاستدلال، أو نقول : هذه الصورة لا بد
٤٣٩
وأن تندرج في العموم، وترك التبليغ عن الله تعالى أعظم، فلا يجوز أن تساويه الذنوب التي ليست مثله في العقوبة، فلا يتعدى هذا الحكمُ إلى غيره من الذنوب، أو نقول : إن الله تعالى لم يقيد في سائر عمومات الوعيد في القرآن بالتأبيد إلا في هذه الآيةِ الكريمة فلا بد وأن يكون لهذا التخصيص فائدة، ومعنى، وليس المعنى إلا أن يكون هذا الذنب أعظم الذَّنُوبِ، وإذا كان السبب في هذا التخصيصِ هذا المعنى، علمنا أن هذا الوعيد مختص بهذا الذنب، فلا يتعدى إلى غيره من الذنوب فدلت هذه الآيةُ على أن حال سائر المذنبين مخالف لذلك، أو نقول :﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ﴾ إلا في الكفر وإلا في الزنا ولا في شرب الخمر، فإن مذهب القائلين بالوعيد أنَّ الاستثناءَ إخراج ما لولاه كان داخلاً تحت اللفظ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون قوله تعالى ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ﴾ متناولاً لكل من أتى بكل المعاصي.
فإن قيل : يستحيلُ العموم هنا لأن من جملة المعاصي التجسيم والتعطيل، والقائل بالتجسيم يمتنع أن يكون مع ذلك قائلاً بالتعطيل.
قلنا : يخص هذا بدليل الفعل فيحمل على جميع ما لا يستحيل اجتماعه.
فصل في أن الأمر للوجوب دلت هذه الآية على أن الأمر مقيد بالوجوب لأن تارك المأمورية عاص لقوله ﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه : ٩٣]، ﴿لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ﴾ [مريم : ٦]، ﴿وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً﴾ [الكهف : ٦٩].
والعاصي مستحق للعقاب لقوله تعالى ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾.
قوله :﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ﴾.
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : بم تعلق حتى، وجعل ما بعده غاية له ؟.
قلت : بقوله :﴿يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾ [الجن : ١٩] على أنهم يتظاهرون عليه بالعداوة، ويستضعفون أنصاره، ويستقلون عددهم ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ﴾ من بوم بدر، وإظهار الله عليهم، أو من يوم القيامة ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ حينئذٍ ﴿مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً﴾.
قال : ويجوز أن يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال من استضعاف الكفار، واستقلالهم لعددهم، كأنه قال لا يزالون على ما هم عليه، حتى إذا رأوا ما يوعدون، قال المشركون : متى هذا الوعد ؟ إنكاراً له.
فقال :" قُلْ " : إنه كائن لا ريب فيه.
قال بو حيان : قوله : بم تعلق، إن عنى تعلق حرف الجر فليس بصحيح لأنها
٤٤٠


الصفحة التالية
Icon