قوله :﴿قُمِ الْلَّيْلَ﴾.
العامة : على كسر الميم لالتقاء الساكنين.
وأبو السمال : بضمها، إتباعاً لحركة القاف.
وقرىء : بفتحها طلباً للخفة.
قال أبو الفتح : الغرض : الهرب من التقاء الساكنين، فبأيِّ حركة تحرك الأول حصل الغرض.
قال شهاب الدين :" إلا أن الأصل : الكسر، لدليل ذكره النحويون، و " الليل " ظرف للقيام وإن استغرقه الحدث الواقع فيه، هذا قول البصريين، وأما الكوفيون فيجعلون هذا النوع مفعولاً به ".
قال القرطبي :" وهو من الأفعال القاصرة الغير متعدية إلى مفعول، فأما ظرف المكان والزمان فسائغ فيه، إلا أن ظرف المكان لا يتعدى إليه إلا بواسطة، لا تقول :" قمت الدار " حتى تقول :" قُمْتُ وسَط الدَّارِ، وخارج الدارِ "، وقد قيل هنا : إن " قم " معناه : صل، عبر به هنا واستعير له حتى صار عرفاً بكثيرة الاستعمال ".

فصل في حد الليل الليل : حده من غروب الشمس إلى طلوع الفجر وقد تقدم بيانه في البقرة.


قال القرطبيُّ :" واختلف هل كان قيامه فرضاً أو نفلاً ؟ والدلائل تقوي أن قيامة كان فرضاً لأن الندب لا يقع على بعض الليل دون بعض لأن قيامه ليس مخصوصاً بوقت دون وقتٍ ".
واختلف هل كان فرضاً على النبي ﷺ وحده، أو عليه وعلى من كان قبله من الأنبياء، أو عليه وعلى أمته، ثلاثة أقوالٍ : الأول : قول سعيد بن جبيرٍ لتوجه الخطاب إليه.
الثاني : قول ابن عباسٍ، قال : كان قيامُ الليل فريضة على النبي ﷺ والأنبياء قبله.
الثالث : قول عائشة وابن عباس أيضاً وهو الصحيح أنه كان فرضاً عليه وعلى أمته، لما روى " مسلم " :" أن سعيد بن هشام بن عامر قال لعائشة رضي الله عنها : أنبئيني عن قيام رسول الله ﷺ فقالت : ألست تقرأ :﴿ يا أيها الْمُزَّمِّلُ﴾ قلت : بلى، قال : فإن الله - عز
٤٥٢
وجل - افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام النبي ﷺ وأصحابه حولاً، وأمسك الله - عز وجل - خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله - عز وجل - في آخر السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد أن كان فريضة " وروى وكيع، ويعلى ابن عباس قال : لما نزلت :﴿ يا أيها الْمُزَّمِّلُ﴾ كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين نزول أولها وآخرها نحو من سنة.
وقال سعيد بن جبير : مكث النبي ﷺ وأصحابه عشر سنين يقومون الليل، فنزلت بعد عشر سنين ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الْلَّيْلِ وَنِصْفَهُ﴾ [المزمل : ٢٠] فخفف الله عنهم.
وقيل : كان قيام الليل واجباً، ثم نسخ بالصلوات الخمس.
وقيل : عسر عليهم تمييز القدر الواجب فقاموا الليل كلَّه فشق ذلك عليهم فنسخ بقوله في آخرها ﴿فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل : ٢٠] وكان بين الوجوب ونسخه سنة.
وقيل : نسخ التقدير بمكة وبقي التهجد، حتى نسخ بالمدينة.
وقيل : لم يجب التهجد قط لقوله ﴿وَمِنَ الْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾ [الإسراء : ٧٩]، ولأنه لو وجب عليه ﷺ لوجب على أمته لقوله تعالى ﴿وَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأعراف : ١٥٨]، والنسخ على خلاف الأصل، ولأنه فرض تعيين المقدار أي المكلف وذلك ينافي الوجوب.
قوله :﴿إِلاَّ قَلِيلاً نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً﴾.
للناس في هذا كلام كثير، واستدلال على جواز استثناء الأكثر، والنصف، واعتراضات وأجوبة.
قال شهاب الدين : وها أنا أكذر ذلك محرراً له بعون الله تعالى : اعلم أن في هذه الآية ثمانية أوجه :
٤٥٣


الصفحة التالية
Icon