أي :" لحماً وسمكاً وتمراً "، وكذا : كيف أصبحت، وكيف أمسيت، وقد خرج الناس هذا على بدل النداء.
السابعك قال التبريزي : الأمر بالقيام، والتخيير في الزيادة، والنقصان وقع على الثلثين في آخر الليل، لأن الثلث الأول وقت العتمة، والاسثتناء وارد على المأمورية، فكأنه قال : قم ثلثي الليل إلا قليلاً أي ما دون نصفه " أو زِدْ عليْهِ "، أي على الثلثين، فكان التخيير في الزيادة، والنقصان واقعاً على الثلثين، وهذا كلام غريب لا يظهر من هذا التركيب.
الثامن : أن " نِصْفَهُ " منصوب على إضمار فعل، أي : قم نصفه، حكاه مكي عن غيره، فإنه قال :" نِصْفَهُ " بدل من " الليْلِ ".
وقيل :" انتصب على إضمار : قم نصفه ".
قال شهاب الدين :" وهذا في التحقيق، وهو وجه البدل الذي ذكره أولاً، لأن البدل على نية تكرار العامل ".
٤٥٧
فصل في نسخ الأمر بقيام الليل اختلفوا في الناسخ للأمر بقيام الليل، فعن ابن عباس وعائشة : أن الناسخ قوله تعالى :﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الْلَّيْلِ﴾ إلى آخرها، وقيل : قوله تعالى :﴿عَلِمَ أَن لَّن تَحْصُوهُ﴾ وعن ابن عباس أيضاً : أنه منسوخ بقوله ﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى ﴾، وعن عائشة أيضاً، والشافعي وابن كيسان : هو منسوخ بالصلوات الخمس، وقيل : الناسخ قوله تعالى :﴿فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾.
قال أبو عبد الرحمن السلمي : لما نزلت ﴿ يا أيها الْمُزَّمِّلُ﴾ قاموا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم ثم نزل قوله تعالى :﴿فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾.
قال بعض العلماء : وهو فرض نسخ به فرض كان على النبي ﷺ خاصة لفضله كما قال تعالى :﴿وَمِنَ الْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾.
قال القرطبيُّ :" والقول الأول يعم جميع هذه الأقوال، وقد قال تعالى :﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾ [البقرة : ٤٣].
فدخل فيها قول من قال : إن الناسخِ الصلوات الخمس، وذهب الحسن وابن سيرين إلى أن صلاة الليل كانت فريضة على كلِّ مسلمٍ، ولو على قدر حلب شاءة، وعن الحسن أيضاً أنه قال في هذه الآية : الحمد لله تطوع بعد الفريضة، وهو الصحيح - إن شاء الله تعالى - لما جاء في قيامه من الترغيب، والفضل في القرآن، والسنة ".
قالت عائشة رضي الله عنها :" كنت أجعل للنبي ﷺ حصيراً يصلي عليه من الليل، فتسامع الناس به فلما رأى جماعتهم كره ذلك، وخشي أن يكتب عليهم قيام الليل، فدخل البيت كالمغضب، فجعلوا يتحنحون، ويتفلون، فخرج إليهم فقال :" أيُّهَا النَّاسُ تكلَّفُوا مِن العمل ما تُطيقُونَ، فإنَّ اللَّه لا يمَلُّ من الثواب حتَّى تَملُّوا من العملِ، وإن خَيْرَ العمَلِ أدومهُ، وأنْ قَلَّ "، فنزلت ﴿ يا أيها الْمُزَّمِّلُ﴾، فكتب عليهم، وأنزل بمنلزة الفريضة حتى إن كان أحدهم ليربط الحبل، فيتعلق به، فمكثوا ثمانية أشهرٍ، فنزل قوله :﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ الْلَّيْلِ وَنِصْفَهُ﴾، فردهم الله إلى الفريضة، ووضع عنهم قيام الليل، إلا ما تطوعوا به.
قال القرطبيُّ : ومعنى حديث عائشة رضي الله عنها ثابت في الصحيح، وإلى
٤٥٨
قوله :" وإنْ قَلَّ " وباقيه يدل على أن قوله تعالى ﴿ يا أيها الْمُزَّمِّلُ﴾ نزل بالمدينة، وأنهم مكثوا ثمانية أشهرٍ يقومون، وقد تقدم عنها في " صحيح مسلم " حولاً.
وحكى الماورديُّ عنها قولاً ثالثاً : وهو ستة عشر شهراً لم يذكر غيره عنها، وذكر عن ابن عباس رضي الله عنه : أنه كان بين أول " المُزمِّل " وآخرها سنة، قال : فأما رسول الله ﷺ فقد كان فرضاً عليه، وقيل في نسخه عنه قولان : أحدهما : أنه كان فرضاً عليه إلى أن مات.
والثاني : أنه نسخ عنه كما نسخ عن أمته، وفي مد فرضه إلى أن نسخ قولان : أحدهما : المدة المفروضة على أمته في القولين الماضيين، يريد قول ابن عباس حولاً، وقول عائشة ستة عشر شهراً.
الثاني :" أنها عشر سنين إلى أن خفف عنه بالنسخ ".
قوله :﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾، أي : لا تعجل في قراءة القرآنِ بل اقرأه على مهل وهينة، وبينه تبييناً مع تدبر المعاني.
قال المبرد : أصله من قولهم :" ثغر رتل ورتل " بفتح العين وكسرها إذا كان حسن التنضيد، ورتلت الكلام ترتيلاً، إذا جملت فيه، ويقال : ثغر رتل إذا كان بين الثنايا افتراق قليل.
فقوله تعالى :﴿تَرْتِيلاً﴾ تأكيد في إيجاب الأمر به، وأنه مما لا بد منه للقارىء.
روى الحسن :" أن النبي ﷺ من برجل يقرأ آية ويبكيي، فقال :" أَمْ تَسمعُوا إلى قولِ اللَّهِ تعالى :﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾، هذا الترتيل " وروى " أبو داود " عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ﷺ :" يُؤتَى بِقَارىء القُرآنِ يَوْم القِيامةِ، فيُوقَفُ فِي أول دَرجِ الجنَّةِ، ويقال له : اقْرَأ وارْقَ ورتلْ كَمَا كُنْتَ تُرتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلتك عِنْدَ آخِرِ آية تقرؤها "