جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٤٩
٤٥٩
قوله :﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾، الجملة من قوله :" إنَّا سَنُلقي " مستأنفة.
وقال الزمخشريُّ :" وهذه الآية اعتراض " ثم قال :" وأراد بهذا الاعتراض أن ما كلفه من قيام الليل من جملة التكاليف الثقيلة الصعبة التي ورد بها القرآن، لأن الليل وقت السبات، والراحة، والهدوء فلا بد لمن أحياه من مضادة لطيفة، ومجاهدة لنفسه " انتهى.
يعني بالاعتراض من حيثُ المعنى، لا من حيث الصناعة، وذلك أن قوله :﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً﴾ مطابق لقوله :" قُمِ الليْل "، فكأنه شابه الاعتراض من حيث دخوله بين هذين المناسبتين.
فصل في معنى الآية المعنى : سنلقي عليك بافتراض صلاة الليل " قَوْلاً ثَقيْلاً " يثقل حمله، لأن الليل للمنام فمن أجر بقيام أكثره، لم يتهيأ له ذلك إلا بحمل مشقة شديدة على النفس، ومجاهدة الشيطان فهو أمر يقل على العبد.
وقيل : المعنى سنوحي إليك القرآن وهو ثقيل يثقل العمل بشرائعه قال قتادة : ثقيل - والله - فرائضه وحدوده.
وقال مجاهد : حلاله وحرامه.
وقال الحسن : العمل به.
وقال أبو العالية : ثقيل بالوعد، والوعيد، والحلال والحرام.
وقال محمد بن كعب :" ثقيل على المنافقين لأنه يهتك أسرارهم، ويبطل أديانهم ".
وقيل : على الكفار لما فيه من الاحتجاج عليهم، والبيان لضلالتهم وسب آلهتهم.
وقال السديُّ : ثقيل بمعنى كريم، مأخوذ من قولهم : فلان ثقيل عليَّ، أي يكرم عليّ.
وقال الفراءُ :" ثَقِيْلاً " أي : رزيناً.
٤٦٠
وقال الحسن بن الفضل : ثقيل لا يحمله إلا قلب مؤيد بالتوفيق ونفس مزينة بالتوحيد.
وقال ابن زيد : هو ثقيل مبارك في الدنيا يثقل في الميزان يوم القيامة.
وقيل : ثقيل : أي ثابت كثبوت الثقيل في محله، ومعناه أنه ثابت الإعجاغز لا يزول إعجازه أبداً.
[وقيل : ثقيل : بمعنى أن العقل الواحد لا يفي بإدراك فوائده، ومعانيه بالكلية، فالمتكلمون غاصوا في بحار معقولاته، والفقهاء بحثوافي أحكامه، وكذا أهل اللغة، والنحو، وأرباب المعاني، ثم لا يزال كل متأخر يفوز منه بفوائد ما وصل إليها المتقدمون فعلمنا أن الإنسان الواحد لا يقوى على الاشتغال بحمله، فصار كالجبل الثقيل الذي يعجز الخلق عن حمله].
وقيل : هو الوحي، كما جاء في الخبر أن النبي ﷺ كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته، وضعت جرانها - يعني صدرها - على الأرض فما تستطيع أن تتحرك، حتى يُسَرَّى عنه ".
وقال القشيري : القول الثقيل هنا : هو قول :" لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ "، لأنه ورد في الخبر :" لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ خَفيفَةٌ على اللِّسانِ ثَقِيلةٌ في المِيزَانِ ".
قوله :﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾.
في الناشئة أوجه : أحدها : أنها صفة لمحذوف، أي : النفس الناشئة بالليل التي تنشأ من مضجعها للعبادة، أي تنهض وترفع من " نشأت السحابة " إذا ارتفعت، ونشأت من مكانه ونشر إذا نهض، قال :[الطويل] ٤٩٢١ - نَشَأنَا إلى خُوصِ بَرَى نيَّهَا السُّرَى
وألصَقَ مِنْهَا مُشرِفَاتِ القَماحِدِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٥٩
الثاني : أنها مصدر بمعنى قيام الليلِ، على أنها مصدر من " نشأ " إذا قام ونهض، فيكون كالعافية والعاقبة، قالهما الزمخشري.
الثالث : أنها بلغة الحبشةِ نشأ الرجل، أي : قام من الليل.
قال أبو حيان : فعلى هذا هي جمع ناشىء، أي : قائم، يعني : أنها صفة لشيء يفهم الجمع، أي : طائفة، أو فرقة نائشة، وإلا فـ " فاعل " لا يجمع على " فاعلة ".
قال القرطبي :" قال ابن مسعود :" الحبشة " [يقولون : نشأ، أي قام.
فلعله أراد
٤٦١


الصفحة التالية
Icon