قال شهاب الدين :" قد أطلق " ابن مالك أن الجملة المنفية سواء كانت اسمية، أم فعليه تنفى بـ " ما "، أو " لا "، أو " إن " بمعنى :" ما "، وهذا هو الظاهر ".
وباقي السبعة : ترفعه، على الابتداء وخبره الجملة من قوله " لا إله إلا الله "، أو على خبر ابتداء مضمر، أي :" هُو ربُّ "، وهذا أحسن لارتباط الكلام بعضه ببعض.
وقرأ زيد بن علي :" ربَّ " بالنصب على المدح.
وقرأ العامة :" المشْرِق والمَغْرِب " موحدين.
وعبد الله وابن عباس :" المشَارِق والمغَارِب ".
ويجوز أن ينصب " ربَّ " في قراءة زيد من وجهين : أحدهما : أنه بدل من " اسم ربِّك "، أو بيان له، أو نعت له، قاله أبو البقاء، وهذا يجيء على أن الاسم هو المسمى.
والثاني : أنه منصوب على الاشتغال بفعل مقدر، أي : فاتخذ ربَّ المشرق فاتخذه ومنا بينها اعتراض.
والمعنى : أن من علم أن هرب المشارق، والمغارب انقطع بعمله إليه " واتَّخذهُ وَكِيْلاً "، أي : قائماً وقيل : كفيلاً بما وعدك.
٤٦٨
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٥٩
قوله :﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾، أي : من الأذى، والسب، والاستهزاء، ولا تجزع من قولهم، ولا تمتنع من دعائهم، وفوض الأمر إليّ، فإني إذا كنت وكيلاً لك، أقوم بإصلاح أمرك أحسن من قيامك بأمور نفسك ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾، والهجر : ترك المخالطةِ، أي : لا تتعرض لهم، ولا تشتغل بمكافأتهم فإن ذلك ترك للدعاء إلى الله تعالى، وكان هذا قبل الأمر بالقتال، ثم أمر بعد ذلك بقتالهم.
قال قتادة وغيره، نسختها آية القتال.
وقال أبو الدرداء : إنا لنكشر في وجوه [أقوام] ونضحك إليهم وإن قلوبنا لتلعنهم.
قال ابن الخطيب : وقيل وهو الأصح إنّها محكمة.
قوله :﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ﴾.
يجوز نصب " المُكذَّبِيْنَ " على المعية، وهو الظاهر، ويجوز على النسق وهو أوفق للصناعة.
والمعنى : ارض بي لعقابهم، نزلت في صناديد قريش ورؤساء مكة من المستهزئين.
وقال مقاتل : نزلت في المطعمين يوم بدر، وهم عشرة تقدم ذكرهم في الأنفال.
وقال يحيى بن سلام : إنهم بنو المغيرة.
وقال سعيد بن جبير : أخبرت أنهم اثنا عشرة رجلاً، " أولي النعمة " أي : أولي الغنى، والترفه واللذة في الدنيا ﴿وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً﴾ يعني إلى مدة آجالهم، قالت عائشة - رضي الله عنها - : لما نزلت هذه الآية لم يكن إلا يسيراً حتى وقعت وقعة بدر.
وقيل :" ومَهِّلهُمْ قَلِيلاً " مدة الدنيا.
قوله :" أوْلِي النَّعمَةِ "، نعت للمكذبين.
و " النعمة " - بالفتح - : التنعم، وبالكسر، الإنعام، وبالضم : المسرَّةُ، يقال : نِعْمة ونُعْمة عين.
٤٦٩
وقوله :" قَلِيلاً "، نعت لمصدر، أي : تمهيلاً، أو لظرف زمان محذوف، أي : زماناً قليلاً.
قوله :﴿إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً﴾، جمع نكل، وفيه قولان : أشهرهما : أنه القيد.
وقيل : الغل ؛ وقالت الخنساء :[المتقارب].
٤٩٢٩ - دَعَاكَ فقطَّعْتَ أنْكالَهُ
وقَدْ كُنَّ مِنْ قَبْلُ لا تُقطَعُ
قال الحسن ومجاهد وغيرهما : الأنكال : القيود، واحدها : نكل، وهو ما منع الإنسان من الحركة، وقيل : سمي نكلاً، لأنه ينكل به.
قال الشعبي : أترون أن الله جعل الأنكال في أرجل أهل النار خشية أن يهربوا - لا والله - ولكنهم إذا أراد أن يرتفعوا اشتعلت بهم.
وقال الكلبيُّ : الأنكال : الأغلال.
وقال مقاتل : الأنكال : أنواع العذاب الشديد.
وقال عليه الصلاة والسلام :" إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ النَّكلَ على النَّكلِ " - قال الجوهريُّ : بالتحريك - قيل : وما النكل ؟ قال :" الرجل القوي المجرب على الفرس القوي المجرب " - ذكره الماورديُّ، قال : ومن ذلك سمي القَيْدُ نِكلاً لقوته وكذلك الغُلّ وكل عذاب قوي.
قال ابن الأثير :" النَّكَلُ - بالحريك - من التنكيل، وهو المنع، والتنحية عما يريد يقال : رجل نَكَلٌ ونِكْلٌ، كشبه وشبهٌ، أي : ينكل به أعداؤه، وقد نكل الأمر ينكل، ونكل ينكل : إذا امتنع، ومنه النكول في اليمين وهو الامتناع منها وترك الإقدام عليها ".
والجحيم : النار المؤجَّجَةُ.
﴿وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ﴾.
" الغُصَّةُ " : الشجى، وهو ما ينشب في الحلق فلا ينساغ، ويقال :" غَصِصتُ " - بالكسر - فأتت غَاصٌّ وغصَّان، قال :[الرمل]
٤٧٠
٤٩٣٠ - لَو بِغيْرِ المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ
كُنْتُ كالغَصَّانِ بالمَاءِ اعتِصَارِي
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٦٩


الصفحة التالية
Icon