الأول : أنه شاهد عليهم يوم القيامة بكفرهم، وتكذيبهم.
الثاني : أن المراد بكونه شاهداً كونه مبيناً للحق في الدنيا ومبيناً لبطلان ما هم عيله من الفكر، لأن الشاهد بشهادته يبين الحق، ولذلك وصفت بأنها بينة، ولا يمتنع أن يوصف ﷺ بذلك من حيث إنه يبين الحق.
قال ابن الخطيب : وهذا بعيد، لأن الله تعالى قال :﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة : ١٤٣] أي : عُدُولاً خياراً، يكون الرسول عليكم شهيداً، فبين أنه شاهد عليهم في المستقبل لأن حمله الشهادة في الآخرة حقيقة، وحمله على البيان مجاز، والحقيقة أولى من المجاز.
قوله :﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً﴾.
" يوماً " إما منصوب بـ " تَتَّقُونَ " على سبيل المفعول به تجوزاً.
وقال الزمخشري :" يوماً مفعول به، أي : فكيف تتقون أنفسكم يوم القيامة وهَوْلَهُ إن بقيتم على الكفر ".
وناقشه أبو حيان فقال :" وتتقون مضارع " اتقى " و " اتقى " ليس بمعنى " وقى " حتى يفسره به و " اتقى " يتعدى إلى واحد و " وقى " يتعدى إلى اثنين، قال تعالى :﴿وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾ [الطور : ١٨] ولذلك قدره الزمخشريُّ : تقون أنفسكم لكنه ليس " تتقون " بمعنى " تقون "، فلا يعدى تعديته " انتهى.
ويجوز أن ينتصب على الظرف، أي : فكيف لكم بالتقوى يوم القيامة، إن كفرتم في الدنيا.
قاله الزمخشري.
ويجوز أن ينتصب مفعولاً بـ " كفرتم " إن جعل " كفَرْتُمْ " بمعنى " جَحدتُمْ " أي : فكيف تتقون الله وتخشوه إن جحدتم يوم القيامة.
ولا يجوز أن ينتصب ظرفاً لأنهم لا يكفرون ذلك اليوم بل يؤمنون لا محالة.
ويجوز أن ينتصب على إسقاط الجار، أي : كفرتم بيوم القيامة.
فصل في المراد بالآية قال القرطبيُّ : وهذا تقريع وتوبيخ، أي : كيف تتقون العذاب إن كفرتم، وفيه تقديم وتأخير، أي : كيف تتقون يوماً يجعل الولدان شيئاً إن كفرتم، وكذا قراءة عبد الله وعطية.
٤٧٦
قال الحسن : بأي صلاة تتقون العذاب ؟ بأي صوم تتقون العذاب ؟ وفيه إضمار، أي : كيف تتقون عذاب يوم القيامة.
وقال قتادة : والله منا يتقى من كفر ذلك اليوم بشيء، و " يَوْماً " مفعول بـ " تتقون " على هذه القراءة وليس بظرف، وإن قدر الكفر بمعنى الجحود كان اليوم مفعول " كفرتم "، وقال بعض المفسرين : وقف التمام على قوله " كَفرْتُمْ " والابتداء " يَوْماً " يذهب إلى أن " اليوم " مفعول " يَجْعَلُ " والفعل لله - عز وجل - كأنه قال : يجعل اله الولدان شيئاً في يوم.
قال ابن الأنباري : وهذا لا يصح ؛ لأن اليوم هو الذي يفعل هذا من شدة هوله.
وقال المهدي : والضمير في " يَجْعلُ " يجوز أن يكون لله - عز وجل - يجوز أن يكون لليوم، وإذا كان لليوم، صلح أن تكون صفة له، ولا يصلح ذلك إذا كان الضمير لله - عز وجل - إلا مع تقدير حذف، كأنه قيل : يوماً يجعل الله الولدان فيه شيباً ".
وقال ابن الأنبراي : ومنهم من نصب " اليوم " بـ " كَفرْتُمْ "، وهذا قبيح ؛ لأن اليوم إذا علق بـ " كفرتم " احتاج إلى صفة، أي : كفرتم بيوم، فإن احتج محتج بأن الصفة قد تحذف، وينصب ما بعدها، احتججنا عليه بقراءة عبد الله :﴿فَكيْفَ تتَّقُونَ يَوْماً﴾.
قال القرطبيُّ :" هذه القراءة ليست بمتواترة، وإنما جاءت على وجه التفسير، وإذا كان الكفر بمعنى الجحود فـ " يوم " مفعول صريح من غير صفة، ولا حذفها، أي : فكيف تتقون الله، وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة، والجزاء ".
والعامة : على تنوين " يَوْماً "، وجعل الجملة بعده نعتاً له، والعائد محذوف، أي : جعل الولدان فيه.
قاله أب البقاء، ولم يتعرض للفاعل في " يَجْعلُ "، وهو على هذا ضمير الباري تعالى، أي : يوماً يجعل الله فيه، وأحسن من هذا أن يجعل العائد مضمراً في " يَجْعَلُ " هو فاعله، وتكون نسبة الجعل إلى اليوم من باب المبالغة، أي : نفس اليوم يجعل الولدان شيباً.
وقرأ زيد بن علي :" يَوْمَ يَجْعَلُ " بإضافة الظرف للجملة، والفاعل على هذا هو ضمير الباري - تعالى - والجعل - هنا - بمعنى التصيير، فـ " شيباً " مفعول ثان.
٤٧٧
وقرأ أبو السمال :" فكيف تتَّقُون " بكسر النون على الإضافة.
والولدان : الصبيان.
وقال السديُّ : هم أولاد الزنا.
وقيل : أولاد المشركين، والعموم أصح أي يوم يشيب فيه الصغير من غير كبر، وذلك حين يقال لآدم : يا آدَمُ قَمْ فابْعَثْ بعثاً للنارِ.
قال القشيريُّ : هم أهل الجنة، يُغيِّرُ اللَّهُ أحوالهم، وأوصافهم على ما يريد.
وقيل : هذا ضرب مثل لشدة ذلك اليوم، وهو مجاز لأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان، لكن معناه : أن هيبة ذلك اليوم بحال لو كان فيه هناك صبي لشاب رأسه من الهيبة، ويقال : هذا وقت الفزع قبل أن ينفخ في الصورة نفخة الصعقِ.
والله أعلم.
و " شيباً " : جمع " أشْيَب "، وأصل الشين الضم فكسرت لتصح الياء، نحو : أحْمَر حُمْرٌ ؛ قال الشاعر :[البسيط] ٤٩٣٩ - مِنَّا الذِي هُوَ مَا إنْ طَرَّ شَارِبُهُ


الصفحة التالية
Icon