والعَانِسُونَ ومنَّا المُرْدُ والشِّيبُ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٧٣
وقال آخر :[الطويل] ٤٩٤٠ -...........................
لَعِبْنَ بِنَا شِيباً، وشَيِّبْنَنَا مُرْدَا
قال الزمخشريُّ : وفي بعض الكتبأن رجلاً أمسى فاحم الشعر كحنكِ الغراب، فأصبح وهو أبيض الرأس واللحية كالثغامة، فقال : رأيت القيامة والجنة والنار في المنام، ورأيت الناس يقادون في السلاسل إلى النار، فمن هول ذلك أصبحت كما ترون.
ويجوز أن يوصف اليوم بالطول فإن الأطفار يبلغون فيه أون الشيخوخة والشيب.
قال ابن الخطيب : إن الله تعالى ذكر من هول ذلك اليوم أمرين : الأول : جعل الولدان شيباً وفيه وجهان : الأول : أنه مثلٌ في الشدة، يقال في اليوم الشديد : يوم يشيِّبُ نواصي الأطفال، والأصل فيه أن الهموم، والأحزان إذا تفاقمت على الإنسان، أسرع فيه الشيبُ لأن
٣١٤
كثرة الهموم ؛ توجب انكسار الروح إلى داخل القلب، وذلك الانكسرا يوجب انطفاء الحرارة الغريزية، وضعفها يوجب بقاء الأجزاء الغذائية غير تامة النضج، وذلك يوجب استيلاء البلغم على الأخلاط، وذلك يوجب ابيضاض الشعر، فلما رأوا أن حصول الشيب من لوازم كثرة الهموم جعلوا الشيب كناية عن الشدة والهموم، وليس المراد أن هول ذلك اليوم يجعل الولدان شيباً حقيقة لأن إيصال الألم أو الخوف إلى الأطفال غير جائز يوم القيامة.
الثاني : ما تقدم من طول اليوم وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة، والشيب.
قوله :﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ﴾.
صفة أخرى، أي : متشققة بسبب هوله وشدته، فتكون الباء سببية، وجوز الزمخشريُّ أن تكون للاستعانة، فإنه قال : والباء في " به " مثلها في قولك :" فطرت العود بالقدُومِ فانفَطرَ بِهِ ".
وقال القرطبيُّ : ومعنى " به "، أي : فيه، أي : في ذلك اليوم لهوله، هذا أحسن ما قيل فيه، ويقال : مثقلة به إثقالاً يؤدي إلى انفطارها لعظمته عليها، وخشيته من وقوعها، كقوله تعالى :﴿ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الأعراف : ١٨٧]، وقيل :" به " ؛ أي : له، أي : لذلك اليوم، يقال : فعلت كذا بحرمتك، أو لحرمتك، والباء واللام وفي متقاربه في مثل هذا الموضع، قال الله تعالى :﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء : ٤٧]، أي : في يوم القيامة، وقيل :" به " أي بالأمر، أي : السماء منفطر بما يجعل الولدان شيباً.
وقيل : السَّماءُ منفطر بالله، أي : بأمره.
وإنما لم تؤنث الصفة لوجوه منها : قال أبو عمرو بن العلاء : لأنها بمعنى السقفِ تقول : هذا سماء البيت، قال تعالى :﴿وَجَعَلْنَا السَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً﴾ [الأنبياء : ٣٢].
ومنها : أنها على النسب، أي : ذات انفطار، نحو : امرأة مرضع وحائض، أي : ذات إرضاع، وذات حيض.
ومنها أنها تذكر، وتؤنث ؛ أنشد الفراء :[الوافر] ٤٩٤١ - فَلوْ رَفَعَ السَماءُ إليْه قَوماً
لخُضْنَا بالسَّماءِ وبالسَّحَابِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٧٣
ومنها : اسم الجنس، يفرق بينه وبين واحده بالتاء، فيقال : سماة، وقد تقدم أن اسم الجنس يذكر ويؤنث.
ولهذا قال أبو علي الفارسي : هو كقوله :﴿جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ [القمر : ٧] و ﴿الشَّجَرِ الأَخْضَرِ﴾ [يس : ٨٠] و ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ [القمر : ٢٠] يعني : فجاء على أحد الجائزين.
٤٧٩
وقيل : لأن تأنيثها ليس بحقيقي، وما كان كذلك جاز تذكيره وتأنيثه ؛ قال الشاعر :[البسيط] ٤٩٤٢ -...........................
والعَيْنُ بالإثْمِدِ الحَارِيِّ مَكحُولُ
قوله :﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً﴾، يجوز أان يكون الضميرُ لله تعالى، وإن لم يجر له ذكر للعلم به، فيكون المصدر مضافاً لفاعله، ويجوز أن يكون لليوم، فيكون مضافاً لمفعوله والفاعل وهو " اللَّهُ " مقدر.
فصل في المراد بالوعد قال المفسرون : كان وعده بالقيامة والحساب والجزاء مفعولاً كائناً لا محالة ولا شك فيه ولا خلاف، وقال مقاتل : كان وعده بأن يظهره دينه على الدين كله.
قوله :﴿إِنَّ هَاذِهِ تَذْكِرَةٌ﴾، أي : هذه السورة والآيات عظة، وقيل : آيات القرآن إذ هو كالسورة الواحدة ﴿فَمَن شَآءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ ؛ لأن هذه الآية مشتملة على أنواع الهداية، والإرشاد، فمن شاء أن يؤمن، ويتخذ بلك إلى ربِّه سبيلاً، أي : طريقاً إلى رضاه، ورحمته فليرغب، فقد أمكن له ؛ لأنه أظهر له الحجج، والدلائل.
قيل : نسخت بآية السيف، وكذلك قوله تعالى :﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾.
قال الكلبيُّ : والأشبه أنه غير منسوخٍ.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٤٧٣


الصفحة التالية
Icon