وتقدم تحرير هذا آخر الفاتحة.
الخامس : أن يتعلق بما دل عليه " غَيرُ يَسيرٍ "، أي : لا يسهل على الكافرين.
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : فما فائدة قوله :" غير يسير "، و " عسير " مغن عنه ؟.
قلت : لما قال - سبحانه وتعالى - :" على الكافرين " فقصر العسر عليهم، قال :" غَيرُ يَسِيرٍ " ليؤذن بأنه لا يكون عليهم كما يكون على المؤمنين يسيراً هيناً، ليجمع بين وعيد الكافرين، وزيادة غيظهم، وتيسيراً للمؤمنين، وتسليتهم، ويجوز أن يراد أنه عسير لا يرجى أن يرجع يسيراً كما يرجع تيسير العسير من أمور الدنيا.
فصل في تعلق الآية بما بعدها لما ذكر ما يتعلق بإرشاد النبي ﷺ ذكر بعده وعيد الأشقياء قيل : المراد بهذا الآية هو النفخة الثانية.
وقيل : الأولى، قال الحليمي في كتاب " المنهاج " : إنه تعالى سمى الصور اسمين، وإن كان هو الذي ينفخ فيه النفختان معاً، فإن نفخة الإصعاق غير نفخة الإحياء، وجاء في الأخبار أن في الصور ثقباً بعدد الأرواح كلِّها، وأنها تجمع في ذلك الثقب في النفخة الثانية، فيخرج عن النفخ في كل ثقبة روح إلى الجسد الذي نزع منه، فيعود الجسد حياً بإذن الله تعالى.
قال بن الخطيب : وهذا مردود، لأن الناقور اسم لما ينقر به لا لما ينقر فيه، ويحتمل أن يكون الصور محتوياً على ثقبين : ينقر في إحداهما، وينفخ في الأخرى، فإذا نفخ فيه للإصعاق جمع بين النقر، والنفخ، لتكون الصيحة أشد، وأعظم، وإذا نفخ فيه للإحياء، لم ينقر فيه بل يقتصر على النفخ لأن المراد إرسال الأرواح من ثقب الصور إلى أجسادها بنقرها من أجسادها بالنفخة الأولى للنقير، وهو نظير صوت الرعد ؛ فإنه إذا اشتد فربما مات بسماعه، والصيحة الشديدة التي يصيحها رجل بصبي فيفزع منه فيموت.
قال ابن الخطيب : وفيه إشكال، وهو أن هذا يقتضي أن يكون النقر إنما يحصل عند صيحة الإصعاق وذلك اليوم غير شديد على الكافرين ؛ لأنهم يموتون في تلك الساعة، إنما اليوم الشديد على الكافرين صيحة الإحياء، ولذلك يقول :﴿يا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ [الحاقة : ٢٧]، أي : يا ليتنا بقينا على الموتة الأولى.
وقوله :" فَذلِكَ "، أي : فذلك اليوم يوم شديد على الكافرين " غير يَسيرٍ " أي : غير سهل، ولا هين وذلك أن عقدهم لا تنحل، إلا إلى عقد أشد منها، فإنهم يناقشون الحساب ويعطون كتبهم بشمائلهم، وتسودُّ وجوههم، ويحشرون زرقاً، وتتكلم
٥٠٥
جوارحهم، ويفضحون على رؤوس الأشهاد بخلاف المؤمنين الموحدين المذنبين فإنها تنحل إلى ما هو أخف، حتى يدخلوا الجنة برحمة الله تعالى فإنهم لا يناقشون الحساب، ويحشرون بيض الوجوه، ثِقال الموازين.
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يكون عسيراً على المؤمنين، والكافرين، على ما روي أن الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - يفزعون يومئذ، وأن الولدان يشيبون، إلا أنه يكون على الكفار أشد فعلى الأول : لا يحسن الوقف على قوله ﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾، فإن المعنى : إنه على الكافرين عسير وغير يسير.
وعلى الثاني : يحسن الوقف، لأنه في المعنى : أنه في نفسه عسير على الكل ثم الكافر فيه مخصوص بزيادة تخصه، وهي أنه عليه عسير.
فصل في دليل الخطاب قال ابن الخطيب : استدل بهذه الية القائلون بدليل الخطاب، قالوا : لولا أن دليل الخطاب حجة ولا فما فهم ابن عباس من كونه غير يسير على الكافرين كونه يسيراً على المؤمنين.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥٠٢
قوله تعالى :﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾، الواو في قوله :﴿وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾، كقوله :" والمُكَذبين " في الوجهين المتقدمين في السورة قبلها.
وقوله تعالى :﴿وَحِيداً﴾ فيه أوجه :
٥٠٦


الصفحة التالية
Icon