فالجواب : نحملُه على ثمرات الإيمان، وعلى آثاره ولوازمه.
قوله تعالى :﴿وَلاَ يَرْتَابَ﴾، أي : ولا يشك ﴿الَّذِينَ أُوتُواْ﴾ أي : أعطُوا ﴿الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ أي : المُصدِّقُون من أصحاب رسول الله ﷺ في أنَّ خزنة جهنَّم تسعة عشر.
فإن قيل : لما أثبت الاستيقان لأهل الكتاب، وأثبت زيادة الإيمان للمؤمنين، فما الفائدة في قوله تعالى بعد ذلك :﴿وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ ؟.
فالجواب : أن الإنسان إذا اجتهد في أمرٍ غامضٍ دقيقِ الحُجَّة كثير الشُّبه، فحصل له اليقين، فربَّما غفل عن مقدمةٍ من مقدِّمات ذلك الدليل الدقيق، فيعود الشرك، فإثبات اليقين في بعض الأحوال لا ينافي طريان الارتياب بعد ذلك، ففائدة هذه الإعادة نفي ذلك الشكِّ، وأنه حصل له يقينٌ جازمٌ، لا يحصل عقيبه شكٌّ ألبتة.
قوله تعالى :﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾، أي : في صدورهم شكٌّ ونفاقٌ من منافقي أهل " المدينة " الذين يجيئون في مستقبل الزمان بعد الهجرة، وهذا إخبار عما سيكون ففيه معجزة ﴿وَالْكَافِرُونَ﴾ أي : اليهود والنصارى ﴿مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَـاذَا مَثَلاً﴾ يعني : بعدد خزنةِ جهنَّم، وهذا قول أكثر المفسرين.
وقال الحسن بن الفضل : السورة مكيّة، ولم يكن بـ " مكة " نفاقٌ، فالمرض في هذه الآية الخلاف، والمراد بالكافرين : مشركو العرب، ويجوز أن يُراد بالمرض الشكُّ والارتبياب لأن أهل " مكة " كان أكثرهم مشركين، وبعضهم قاطعين بالكذب، وقوله تعالى إخباراً عنهم :﴿مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَـاذَا مَثَلاً﴾ ؟ أي : هذا العدد الذي ذكره حديثاً، أي ما هذا من الحديث.
قال الليث رحمه الله : المثل الحديث، ومنه :﴿مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [محمد : ١٥]، أي حديثها والخبر عنها.
وقال ابن الخطيب : إنما سمَّوه مثلاً ؛ لأنه لمَّا كان هذا العدد عدداً عجيباً ظن القوم أنه رُبَّما لم يكن مراداً لله منه ما أشعر به ظاهره بل جعله مثلاً لشيء آخر تنبيهاً على مقصود آخر - لا جَرمَ سمَّوه مثلاً - لأنهم لمَّا اسغربوه ظنُّوا أنه ضرب مثلاً لغيره، و " مَثَلأاً " تمييزٌ أو حالٌ، وتسمية هذا مثلاً على سبيل الاستعارة لغرابته.
فصل في لام :" وليقول " " اللام " في قوله تعالى :﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ جار على أصول أهل السُّنة ؛ لأن ذلك مراد، وعند المعتزلة : هي لا العاقبة، ونسبوه إلى الله - عز وجل - مع أنهم ينكرون ذلك، إما على سبيل التَّهكُّم، وإما على ما يقولونه.
٥٢٤