قوله :﴿كَذَلِكَ﴾ : نعتٌ لمصدر، أو حالٌ منه على ما عرف، وذلك إشارة إلى ما تقدم من الإضلال والهدي أي : مثل ذلك الإضلالِ والهدى ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ﴾ كإضلال الله أبا جهل وأصحابه المنكرين لخزنة جهنم " يُضِلُّ " أي : يُعمي ويُخزي من يشاء، ويهدي من يشاء أي ويرشد من يشاء كإرشاد أصحاب رسول الله ﷺ، وهذه الآية تدل على مذهب أهل السنة ؛ لأنه - تعالى - قال في أول هذه الآية :﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ وقال - جل ذكره - في آخر الآية :﴿وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَـاذَا مَثَلاً﴾، ثم قال سبحانه :﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ﴾.
وأما المعتزلة فذكروا تأويلاتهم المشهورة، وتقدم أجوبتها.
قوله :﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾، " جُنُودَ ربِّك " : مفعولٌ واجبُ التقديم لحصر فاعله ولعود الضمير على ما اتصل بالمفعول.
فصل في تفسير الآية أي : وما يدري ملائكة ربك الذين خلقهم لتعذيب أهل النار " إلاَّ هثوَ " أي : الله عز وجل، وهذا جواب لأبي جهل حين قالك ما لإله محمد ﷺ من الجنود إلاَّ تسْعةَ عشرَ إلاَّ أنَّ لكلِّ واحد منهم من الأعوان والجنود ما لا يعلم عددهم إلا هو، ويحتمل أن يكون المعنى ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ﴾ لفرط كثرتها ﴿إِلاَّ هُوَ﴾ فلا يعز عليه تتميم الخزنة عشرين، ولكن له في هذا العدد حكمة لا يعلمها الخلق، وهو جل جلاله يعلمها.
ويكون المعنى : أنه لا حاجة بالله - سبحانه - في تعذيب الكفار والفساق إلى هؤلاء الخزنة، بل هو الذي يعذِّبهم في الحقيقة، وهو الذي يخلق الألم فيهم، ولو أنه - تعالى - قلب شعرة في عين ابن آدم أو سلط الألم على عرق واحد من عروق بدنه لكفاه ذلك بلاء ومحنة، فلا يلزم من تقليل عدد الخزنة قلَّةُ العذاب فجنود الله تعالى غير متناهية لأن مقدوراته غير متناهية قال ﷺ :" أطَّتِ السَّماءُ وحَقَّ لَهَا أن تَئِطَّ، مَا فيهَا مَوضع أرْبعِ أصَابعَ إلاَّ وفِيهَا مَلكٌ سَاجِداً " قوله جل ذكره :﴿وَمَا هِيَ﴾، يجوز أن يعود الضمير على " سَقَر " أي : وما سقر إلاَّ تذكرةٌ أي عظةٌ للبشر، وأن يعود على الآيات المذكورة فيها، أو النار لتقدمها، أو الجنود لأنه أقربُ مذكور، أو نار الدنيا، وإن لم يجرِ لها ذكر تذكره لنا بالآخرة، قاله الزجاج أو ما هذه العدة ﴿إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ﴾ أي ليتذكروا ويعلموا كمال قدرة الله تعالى، وأنه سبحانه لا يحتاج إلى أعوان وأنصار.
٥٢٥
والبشر : مفعول بـ " ذكرى " و " اللام " فيه مزيدة.
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥٢٢
قوله :﴿كَلاَّ وَالْقَمَرِ﴾.
قال الفراء :" كَلاَّ " أصله للقسم، التقدير : أي : والقمر.
وقيل : المعنى حقّاً والقمر، فلا يوقف على هذين التقديرين على " كلا ".
وأجاز الطبري الوقف عليها، وجعلها ردّاً على الذين زعموا أنهم يقاومون خزنة جهنم أي : ليس الأمر كما يقول من زعم أنه يقاوم خزنة النار، ثم أقسم على ذلك بالقمر، وبما بعده.
وقيل : هذا إنكار بعد أن جعلها ذكرى أن يكون لهم ذكرى ؛ لأنهم لا يتذكرون.
وقيل : هو ردعٌ لمن ينكر أن يكون الكبر نذيراً.
وقيل : ردع عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة.
قوله تعالى :﴿وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾.
قرأ نافع وحمزة وحفص :" إذ " ظرفاً لما مضى من الزمان " أدبر " بزنة " أكْرَمَ ".
والباقون :" إذا " ظرفاً لما يستقبل " دَبَرَ " بزنة " ضَرَبَ ".
والرَّسْمُ محتمل لكلتيهما، فالصورة الخطية لا تختلف.
واختار أبو عبيد قراءة " إذا "، قال : لأن بعده " إذَا أسْفرَ "، قال :" وكذلك هي في حرف عبد الله "، يعني : أنه مكتوب بألفين بعد الذال ؛ أحدهما : ألف " إذا " والأخرى همزة " أدبر ".
قال : وليس في القرآن قسم يعقبه " إذ "، وإنما يعقبه " إذا ".
واختار ابن عباس - رضي الله عنه - :" إذا ".
ويحكى عنه : أنه لما سمع " دَبَرَ " قال :" إنَّما يدبرُ ظهر البعير ".
واختلفوا : هل " دبر، وأدبر " بمعنى أم لا ؟.
فقيل : هما بمعنى واحد، يقال : دبر الليل والنهار وأدبر، وقبل وأقبل ؛ ومنه قولهم :" أمس الدابر " فهذا من " دَبَر "، و " أمس المُدبِر " ؛ قال صَخرُ بن عمرو بن الشَّريدِ السُّلمِيُّ :[الكامل] ٤٩٧٠ - ولقَدْ قَتلْتُكمْ ثُنَاءَ ومَوْحَداً
وتَركْتُ مُرَّةَ مِثلَ أمْسِ الدّابرِ
٥٢٦


الصفحة التالية
Icon