الثالث : أنَّها لامُ الابتداء، وليست بلام القسم.
قال أبو البقاء : كقوله :﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ﴾ [النحل : ١٦٤].
والمعروف أنَّ لام الابتداء لا تدخل على المضارع إلاَّ في خبر " إنَّ " نحو :﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ﴾ [النحل : ١٦٤] وهذه الآية نظير الآية التي في سورة يونس :﴿وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ﴾ [يونس : ١٦] فإنهما قرآها بغير الألف.
والكلام فيها قد تقدم.
ولم يختلف في قوله :" ولاَ أقسم " أنه بالألف بعد " لا " ؛ لأنه لم يرسم إلاَّ كذا بخلاف الأول، فإنه رسم بدون ألفٍ بعد " لا "، وكذلك في قوله تعالى ﴿لاَ أُقْسِمُ بِهَـاذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد : ١] لم يختلف فيه أنه بألف بعد " لا "، وجواب القسم محذوف، تقديره : لتبعثنّ، دل عليه قوله ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ﴾ [القيامة : ٣].
وقيل : الجواب :" أيَحْسَبُ ".
وقيل : هو ﴿بَلَى قَادِرِينَ﴾ [القيامة : ٤]، ويروى عن الحسن البصري.
وقيل : المعنى على نفي القسم، والمعنى : إنِّي لا أقسم على شيء، ولكن أسألك أيحسب الإنسان.
وهذه الأقوال شاذَّة منكرة، ولا تصح عن قائلها لخروجها عن لسان العرب، وإنما ذكرناها تنبيهاً على ضعفها.
فصل في معنى الآية قال ابن عباس وابن جبير : معنى الكلام : أقسمُ بيوم القيامة، وهو قول أبي عبيدة، ومثله قوله :[الطويل]
٥٤٤
٤٩٨٤ - تَذكَّرْتُ لَيْلَى فاعْترتْنِي صَبَابَةٌ
فَكادَ صَمِيمُ القَلْبِ لا يَتقطَّعُ
قوله :﴿بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾، أي : بيوم يقوم الناس فيه لربِّهم، والله - عز وجل - أن يقسم بما شاء، ﴿وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾، لا خلاف في هذا بين القراء، وأنه سبحانه - جل ذكره - إنما أقسم بيوم القيامة تعظيماً لشأنه، وعلى قراءة ابن كثير أقسَم بالأولى ولم يقسم بالثانية.
وقيل :﴿وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ ردٌّ آخر وابتداء قسم بالنفس اللوامة.
قال الثعلبيُّ : والصحيح أنه أقسم بهما جميعاً، ومعنى " بالنَّفْسِ اللَّوامَةِ " : أي : نفس المؤمن الذي لا تراه يلوم إلا نفسه، يقول :[ما أردت بكذا ؟ ولا تراه إلا وهو يعاتب نفسه قاله ابن عبَّاس ومجاهد والحسن وغيرهم.
قال الحسن : هي والله نفس المؤمن ما يُرى المؤمن إلاّ يلوم نفسه]، ما أردت بكلامي هذا ؟ ما أردت بأكلي ما أردت بحديثي ؟ والفاجر لا يحاسب نفسه.
وقال مجاهد : هي التي تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشَّرِّ لم فعلته، وعلى الخير لِمَ لَمْ تستكثر منه.
وقيل : تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها.
وقيلك المراد آدم - صلوات الله وسلامه عليه - لم يزل لائماً لنفسه على معصيته التي أخرج بها من الجنة.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنها الملومة، فتكون صفة ذمٍّ، وهو قول من نفى أن يكون قسماً وعلى الأول : صفةُ مدحٍ فيكون القسم بها سائغاً.
وقال مقاتل : هي نفس الكافر يلوم نفسه ويتحسَّر في الآخرة على ما فرط في جنبِ الله تعالى.
قوله :﴿لأَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن﴾.
هذه " أن " المخففة وتقدم حكمها في " المائدة " و " أن " وما في حيِّزها في موضع الجرِّ، والفاصل هنا حرف النَّفي، وهي وما في حيِّزها سادَّةٌ مسدّ مفعولي " حَسِب " أو مفعوله على الخلاف.
٥٤٥
والعامَّة : على " نَجْمَعَ " بنون العظمة، و " عِظامهُ " نصب مفعولاً به.
وقتادة :" تُجْمع " بتاءٍ من فوقُ مضومةٍ على ما لم يسم فاعله ؛ " عظامه " رفع لقيامه مقام الفاعل.
فصل في جواب هذا القسم قال الزجاج : أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة ليجمعنَّ العظام للبعث، فهذا جواب [القسم.
وقال النحاس : جواب] القسم محذوف، أي : لنبعثن.
والمراد بالإنسان : الكافر المكذب بالبعث.
قيل :" نزلت في عدي بن ربيعة قال للبني ﷺ حَدِّثنِي عن يَومِ القِيامةِ مَتَى تكُونُ، وكَيْفَ أمْرهَا وحَالُهَا ؟ فأخْبرَهُ النَّبيُّ ﷺ، فقال : لَوْ عَايَنْتَ ذلكَ اليَوْمَ لَمْ أصَدِّقكَ يا مُحمَّدُ ولَمْ أومِنْ بِه، أو يَجْمَعُ اللَّهُ العِظامَ ؟ ولهذا كان النبيُّ ﷺ يقول :" اللَّهُمَّ اكفِنِي جَارَي السُّوءِ عدَيَّ بن ربيعَة، والأخنس بنَ شَريقٍ " وقيل : نزلت في عدو الله أبي جهل حين أنكر البعث بعد الموت، وذكر العظام، والمراد نفسه كلها ؛ لأن العظام قالب الخلق.
وقيل : المراد بالإنسا، ك كل من أنكر البعث مطلقاً.
قوله :﴿بَلَى ﴾ إيجاب لما بعد النفي المنسحب عليه الاستفهام، وهو وقف حسن، ثم يبتدىء " قَادِرين "، فـ " قَادِرين " حال من الفاعل المضمر في الفعل المحذوف على ما ذكرنا من التقدير.
وقيل : المعنى بل نجمعها نقدر قادرين.
قال الفراء :" قادرين " نصب على الخروج من " نَجْمعَ " أي نقدر ونقوى " قادرين " على أكثر من ذلك.
وقال أيضاً : يَصْلُح نصبُه على التكرير، أي : بلى فليحسبنا قادرين.
وقيل : المضمر " كنا " أي : كنا قادرين في الابتداء، وقد اعترف به المشركون.
وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع :" قادرون " رفعاً على خبر ابتداء مضمر، أي "
٥٤٦


الصفحة التالية
Icon