البيت المقتدم.
أي : ففتح عينيه فهذا مناسب لـ " بلق ".
قوله :﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾.
العامةُ : على بنائه للفاعل.
٥٥١
وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، ويزيد بن قطيب قال القرطبي : وابن أبي إسحاق وعيسى :" خُسِف " مبنياً للمفعول.
وهذا لأن " خسف " يستعمل لازماً ومتعدياً، يقال : خُسِفَ القمر، وخسف الله القمر.
وقد اشتهر أن الخسوف للقمر والكسوف للشمس.
وقال بعضهم : يكونان فيهما، يقال : خُسِفت الشمس وكسفت، وخسف القمر وكسف، وتأيد بعضهم بقوله ﷺ :" إنَّ الشَّمسَ والقَمَرَ من آيَاتِ اللَّهِ لا يخسفانِ لمَوْتِ أحدٍ "، فاستعمل الخسوف فيهما، وفي هذا نظرٌ لاحتمال التغليب، وهل هما بمعنى واحد أم لا ؟ فقال أبو عبيد وجماعة : هما بمعنى واحد.
وقال ابن أبي أويس : الخسوف ذهاب كل ضوئهما والكسوف ذهاب بعضه.
قال القرطبي : الخسوف في الدنيا إلى انجلاء، بخلاف الآخرة فإن لا يعود شؤوه، ويحتمل أن يكون بمعنى " غاب "، ومنه قوله تعالى :﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ﴾ [القصص : ٨١].
قوله تعالى :﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ لم تلحقه علامة تأنيث ؛ لأن التأنيث مجازي.
وقيل : لتغليب التذكير.
وفيه نظر، لو قلت :" قام هند وزيد " لم يجز عند الجمهور من العرب.
وقال الكسائي :" جمع " حمل على معنى جرح النيران.
وقال الفراء والزجاج : جمع بينهما في ذهاب ضوئيهما فلا ضوء للشمس كما لا ضوء للقمر بعد خسوفه.
وقال ابن عباس وابن مسعود : جمع بينهما، أي قرن بينهما في طلوعهما من المغرب أسودين مكوَّرين مظلمين مقرَّنين كأنهما ثوران عقيران.
وقال عطاء بن يسار : يجمع بينهما يوم القيامة ثم يقذفان في البحر فيكونان نار الله الكبرى.
وقال عليّ وابن عباس رضي الله عنهما : يجعلان في الحُجُب وقد يجمعان في نار
٥٥٢
جنهم لأنهما قد عُبِدا من دون الله ولا تكون النار عذاباً لهما لأنهما جماد وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكفار وحسرتهم.
وقيل : هذا الجمع إنما يجمعان ويقرَّبان من الناس فيلحقهم العرق لشدَّة الحر فيكون المعنى : يجمع حرهما عليهم.
وقيل : يجمع الشمس والقمر، فلا يكون ثم تعاقبُ ليلٍ ولا نهارٍ.
قال ابن الخطيب : وقيل : جمع بينهما في حكم ذهاب الضوء كما يقال : يجمع بين كذا وكذا في حكم كذا، أي : كل منهما يذهب ضوؤه.
فصل في الرد على من طعن في الآية قال ابن الخطيب : طعنت الملاحدة في الآية فقالوا : خسوق الفمر لا يحصل حال اجتماع الشمس والقمر.
والجواب : أن الله - تعالى - قادر على أن يخسف القمر سواء كانت الأرض متوسطة بينه وبين الشمس، أو لم تكن ؛ لأن الله - تعالى - قادر على كل الممكنات فيقدر على إزالة الضوء عن القمر في جميع الأحوال.
قوله :﴿يَقُولُ الإِنسَانُ﴾.
جواب " إذا " من قوله :" فإذا برق "، و " أيْنَ المفَرُّ " منصوب المحل بالقول، و " المَفَرّ " مصدر بمعنى " الفرار " وهذه هي القراءة المشهورة.
وقرأ الحسنان ابنا علي وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة : بفتح الميم وكسر الفاء، وهو اسم مكان الفرار، أي أين مكان الفرار.
وجوز الزمخشري أن يكون مصدراً، قال :" كالمرجع " وقرأ الحسن عكس هكذا : أي بكسر الميم وفتح الفاء، وهو الرجل الكثير الفرار ؛ كقول امرىء القيس يصف جواده :[الطويل] ٤٩٩٠ - مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقْبِلٍ مُدبِرٍ مَعاً
كجُلْمُودِ صَخْرٍ حطَّهُ السَّيلُ من عَلِ
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥٥٠
٥٥٣
وأكثر استعمال هذا الوزن في الآلات.
فصل في بيان ما يقوله الإنسان يوم القيامة يقول الإنسان يومئذ : أين المفر، أي : يقول ابن آدم، وقيل : أبو جهل : أين المفر، أين المهرب ؟.
قال الماوردي : ويحتمل وجهين : أحدهما : أين المفر من الله استحياءً منه.
والثاني : أين المفر من جهنم حذراً منها.
ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين : أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة في عرصة القيامة دون المؤمن لثقة المؤمن ببشرى ربه.
والثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوا منها.
قوله :﴿كَلاَّ لاَ وَزَرَ﴾.
تقدم الكلام ي " كلاَّ "، وخبر " لا " محذوف، أي لا وزر له.
أي لا ملجأ من النار.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : لا حِصْن.
وقال ابن عباس : لا ملجأ وقال الحسن : لا جبل.
وقال ابن جبير : لا مَحِيصَ.
وهل هذه الجملة محكيّة بقول الإنسان، فتكون منصوبة المحل، أو هي مستأنفة من الله - تعالى - بذلك.
و " الوزر " : الملجَأ من حصنٍ أو جبلٍ أو سلاح ؛ قال الشاعر :[المتقارب] ٤٩٩١ - لَعمْرُكَ ما لِلْفَتَى من وَزَرْ
مِنَ المَوْتِ يُدرِكهُ والكِبَرَ
٥٥٤


الصفحة التالية
Icon