قال مكي :" لو جاء هذا لجاز : نظرت إلى زيد، بمعنى : نظرت إلى عطاء زيد، وفي هذا نقض لكلام العرب وتخليط في المعاني ".
ونضَره الله ونضَّره، مخففاً ومثقلاً، أي : حسنه ونعمه.
قال ﷺ :" نَضَّر اللَّهُ أمْرأً سَمِعَ مَقالَتِي فوَعَاهَا، فأدَّاهَا كما سَمِعهَا " يروى بالوجهين.
ويقال للذهب : نُضَار من ذلك، ويقال له : النضر أيضاً.
ويقال : أخضر ناضر كأسود حالك، وقدح نضارك يورى بالإتباع والإضافة.
والعامة :" ناضرة " بألف، وقرأ زيد بن علي :" نضرة " بدونها، كـ " فرح " فهو فرح.

فصل في الرؤية.


روى مسلم في قوله تعالى ﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾ [يونس : ٢٦] كان ابن عمر يقول : أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية، ثم تلى :﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾.
وقال عكرمة : تنظر إلى ربها نظراً، وحكى الماوردي عن ابن عمر وعكرمة ومجاهد : تنظر أمر ربها، وليس معروفاً إلا عن مجاهد وحده.
وجمهور أهل السُّنَّة تمسك بهذه الآية لإثبات أن المؤمنين يرون الله - سبحانه وتعالى - يوم القيامة وأما المعتزلة فاحتجوا بقوله تعالى :﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ [الأنعام : ١٠٣]، ويقولون : النظر المقرون بـ " إلى " ليس اسماً للرؤية، بل لمقدمة الرؤية، وهي تقليب الحدقة نحو المرئي التماساً لرؤيته، ونظر العين بالنسبة إلى الرؤية كنظر القلب بالنسبة إلى المعرفة، وكالإصغاء بالنسبة إلى السمع ويدل على ذلك قوله تعالى :﴿وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف : ١٩٨] فأثبت النظر حال عدم الرؤية، ويقال : نظر إليه شزراً، ونظر إليه غضبان ونظر راضياً، ولا يقال ذلك في الرؤية،
٥٦٥
ويقال : وجوه متناظرة، أي : متقابلة ويقال : انظر إليه حتى تراه، فتكون الرؤية غاية للنظر، وان النظر يحل والرؤية غير حاصلة وقال :[الوافر] ٥٠٠١ - وجُوهٌ نَاظرَاتٌ يَوْمَ بَدْرٍ
إلى الرَّحْمنٍ تَنتظِرُ الخَلاصَا
جزء : ١٩ رقم الصفحة : ٥٦١
ولا رؤية ع النظر المقرون بـ " إلى "، وقال تعالى :﴿وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [آل عمران : ٧٧] ومن قال : لا يراهم، كفر، قالوا : ويمكن أن يكون معنى قوله تعالى :﴿نَاظِرةٌ﴾ أي : منتظرة كقولك : أنا أنظر إليك في حاجتي، أو يكون " إلى " مفرد " آلاء " وهي النعم - كما تقدم - والمراد : إلى ثواب ربها ؛ لأن الأدلة العقلية والسمعية لما منعت الؤية وجب التأويل، أو يكون المعنى أنها لا تسأل، ولا ترغب إلا إلى الله عز وجل، كقوله :" اعْبُد الله كأنَّك تَرَاهُ " قال ابن الخطيب : والجواب : لنا مقامان : أحدهما : أن نقول : النظر هو الرؤية كقول موسى عليه الصلاة والسلام :﴿رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف : ١٤٣]، فلو كان المراد تقليب الحدقة نحو المرئي لاقتضت الآية إثبات الجهة والمكان، ولأنه أخر النظر عن الإرادة فلا يكون تقليب.
المقام الثاني : سلمنا ما ذكرتموه من أن النظر تقليب الحدقة للرؤية، لكن يقدر حمله على الحقيقة، فيجب الحمل على الرؤية إطلاقاً لاسم السبب على المسبب، وهو أولى من حمله على الانتصار لعدم الملازمة ؛ لأن تقليب الحدقة كالسبب للرؤية، ولا تعلق بينه وبين الانتظار.
وأم قولهم : نحمله على الانتظار قلنا : الذي هو بمعنى الانتظار، وفي القرآن غير مقرون، كقوله تعالى :﴿انظُرُونَا نَقْتَبِسْ﴾ [الحديد : ١٣]، ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ﴾ [الأعراف : ٥٣]، والذي ندّعيه أن النظر المقرون بـ " إلى " ليس بمعنى الرؤية ؛ لأن وروده بمعنى الرؤية، أو بالمعنى الذي يستعقب الرؤية ظاهر، فلا يكون بمعنى الانتظار دفعاً للاشتراك وقوله :" وجوه ناظرات يوم بدر ".
شعر موضع، والرواية الصحيحة :[الوافر] ٥٠٠٢ - وجُوهٌ نَظِراتٌ يَوْمَ بَكْرٍ
إلى الرَّحمنِ تَنتظِرُ الخَلاصَا
والمراد من هذا الرحمن : مسيلمة الكذاب ؛ لأنهم كانوا يسمُّونه رحمن اليمامة، وأصحابه كانوا ينظرون إليه ويتوقون منه الخلاص من الاعداء.
وقولهم : هو مفرد " آلاء " أي : نعمة ربها.
٥٦٦


الصفحة التالية
Icon