ويروى : ما ظهر، أي : لم يطلع القمر، والمعنى : لا يرون فيها شمساً كشمس الدنيا، ولا قمراً كقر الدنيا، أي : أنهم في ضياء مستديم، لا ليل فيه ولا نهار ؟ لأن ضوء النهار بالشمس، وضوء الليل بالقمر، والمعنى : ان الجنة لا يحتاج فيها إلى شمس ولا إلى قمر، ووزنه " فعلليل "، وقيل : المعنى : لا يرون في الجنَّة شدة حر كحرِّ الشمس، ولا زمهريراً، أي : ولا برداً مفرطاً.
قال رسول الله " اشْتَكَتِ النَّارُ إلى ربِّهَا سُبحانَهُ، قالتْ : يَا ربِّ، أكَلَ بَعْضِي بعْضاً، فجعلَ لَهَا نفسينِ : نفساً في الشِّتاء، ونفساً في الصَّيْف ؟ فشِدَّةُ ما تَجِدُونَ من البَرْدِ من زَمْهَرِيرِهَا، وشدَّةِ ما تَجِدُونَ من الحرَِّ في الصَّيْفِ من سَمُومِهَا ".
٢٩
قال مرة الحمداني : الزمهرير : البرد القاطع.
وقال مقاتل بن حيان : هو شيء مثل رؤوس الإبر ينزل من السماء في غاية البرد.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : هو لونٌ من العذاب، وهو البرد الشديد، حتى إن أهل النار أذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم في النار ألف سنة أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوماً واحد.
قوله :﴿وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ﴾ العامة على نصبها، وفيها أوجه : أحدها : أنها عطف على محل " لا يرون ".
الثاني : أنها معطوفة على " مُتَّكِئينَ " فيكون فيها ما فيها.
قال الزمخشري :" فإن قلت :" ودانية عليها ظلالها " علام عطفت ؟.
قلت : على الجملة التي قبلها ؛ لأنها في موضع الحال من المجزيين، وهذه حال مثلها عنهم لرجوع الضمير منها إليهم في " عليهم "، إلاَّ أنها اسم مفرد، وتلك جماعة في حكم منفرد، تقديره : غير رائين فيها شمساً، ولا زمهريراً ودانية عليهم ظلالها، ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين مجتمعان لهم، كأنه قيل : وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والقمر ودنو الظلال عليهم ".
الثالث : أنها صفة لمحذوف، أي : وجنة دانية.
قال أبو البقاء : كأنه قيل :" وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً " أي : أخرى دانية عليهو ظلالها، لأنهم قد وعدوا جنتين، لأنهم خافوا مقام ربهم ؟ بقولهم :" إنَّا نخَافُ مِن ربِّنا يَوماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً ".
الرابع : أنها صفة لـ " جنة " الملفوظ بها.
قاله الزجاج.
وقال الفراء : نصب على المدحِ، أي : دانية عليهم، لقوله تعالى :﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن : ٤٦].
وقرأ أبو حبوة :" ودانية " بالرفع، وفيها وجهان : أظهرهما : أن يكون " ظلالها " مبتدأ، و " دانية " خبر مقدم، والجملة في موضع الحال.
قال الزمخشري :" والمعنى : لا يرون فقيها شمساً ولا زمهريراً، والحال أن ظلالها دانية ".
والثاني : أن ترتفع " دانية " بالابتداء، و " ظلالها ؟ فاعل به، وبها استدل الأخفش على جواز إعمال اسم الفاعل، وإن لم يعتمد، نحو " قائم الزيدون "، فإن " دانية " لم تعتمد على شيء مما ذكره النحويون، ومع ذلك فقد رفعت " ظلالها ".
٣٠
وهذا لا حجة فيه لجواز أن يكون مبتدأ وخبراً مقدماً كما تقدم.
وقال أبو البقاء : وحكي بالجر، أي : في جنة دانية، وهو ضعيف، لأنه عطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار.
يعني أنه قرئ شاذاً :" وَدانِيةٍ " بالجر على أنها صفة لمحذوف، ويكون حينئذٍ نسقاً على الضمير المجرور من قوله تعالى :﴿لاَ يَرَوْنَ فِيهَا﴾ أي : ولا في جنة دانية، وهو رأي الكوفيين يث يجوزون العطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار، ولذلك ضعفه، وتقدم الكلام على ذلك في البقرة.
وأما رفع " ظلالها " فيجوز أن يكون مبتدأ، و " عليهم " خبر مقدم، ولا يرتفع بـ " دانية "، لأن " دنا " يتعدى بـ " إلى " لا بـ " على "، ويجوز أن ير فع بـ " دانية " على أن يضمن معنى مشرفة ؛ لأن " دنا " و " أشرف " متقاربان، قال معناه أبو البقاء، وهذان الوجهان جاريان في قراءة من نصب " دانية ".
وقرأ الأعمش :" ودنيا " بالتذكير مرفوعاً، وهي شاذة.
فمذهب الأخفش جيث يرفع باسم الفاعل وإن لم يعتمد، ولا جائز أن يعربا مبتدأ وخبراً لعدم المطابقة.
وقال مكي :" وقرئ " ودانياً " بالتذكير " ثم قال :" ويجوز :" ودانية " بالرفع، ويجوز " دانٍ " بالرفع والتذكير "، فلم يصرح بأنهما قرئا، وقد تقدم أنهما مقروء بهما، فكأنه لم يطلع على ذلك.
فصل في معنى الآية قال المفسرون : معناه : أن ظل الأشجار في الجنة قريب من الأبرار فهي مظلة عليهم زيادة على نعيمهم.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس، وهناك شمس في الجنة، فكيف يحصل الظل ؟.
فالجواب : أن أشجار الجنَّة تكون بحيث لو كان هناك شمس لكانت الأشجار مظلة منها وإن كان لا شمس ولا قمر كما أن أمشاطهم الذهب والفضة، وإن كان لا وسخ ولا شعث.
ثم قوله :﴿وَذُلِّلَتْ﴾ يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال عطفاً على دانية
٣١


الصفحة التالية
Icon