وذهب إلى أن المعنى : على حبِّ العراق، وقيل : هذا التقدير : هو أن الأقداح تطير فتغرف بمقدار شهوة الشَّارب، وذلك قوله تعالى :﴿قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً﴾.
أي : لا يفصل عن الري ولا ينقص منه، فقد ألهمت الأقداح معرفة مقدار ري المشتهى حتى تغترف ذلك المقدار.
ذكر الحيكم الترمذي في " نوادر الأصول ".
قوله :﴿وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً﴾.
وهي الخمر في الإناء " كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجبيلاً "، " كان " صلة، أي : مزاجها زنجبيل، أو كان في حكم الله زنجبيلاً، وكان العرب يستلذُّون من الشراب ما مزج بالزنجبيل لطيب رائحته ؛ لأنه يحذو اللسان، ويهضم المأكول، ويحدث في المشروب ضرباً من اللّذع، فرغبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النعمة والطيب.
والزنجبيل : نبث معروف ؛ وسمست الكأس بذلك ؛ لوجود طعم الزنجبيل فيها ؛ وأنشد الزمخشري للأعشى :[المتقارب] ٥٠٤٨ - كَأنَّ القَرنْفُلَ والزَّنْجَبِيـ
ـلَ بَاتَا بِفيهضا وأريْاً مَشُورا
وأنشد للمسيب بن علس يصف ثغر امرأة :[الكامل] ٥٠٤٩أ - وكَأنَّ طَعْمَ الزَّنْجبيلَِ بِهِ
إذْ ذُقْتُهُ وسُلافَة الخَمْرِ
ويروى : وسلافَةُ الكَرْمِ.
وقال مجاهد :" الزنجبيل " اسم للعين التي منها سراب الأبرار، وكذا قال قتادة : وقيل : هي عين الجنة يوجد فيها طعم الزنجبيل.
والمعنى : كأن فيها، وتكون قد عطفت " رأيت " الثاني على الأول، ويكون فعل الجواب محذوفاً، ويكون فعل الجواب المحذوف هو الناصب لقوله تعالى :﴿نَعِيماً﴾ ؟ والتقدير : إذا صدر منك رؤية ؛ ثم صدر منك رؤية أخرى رأيت نعيماً وملكاً فرأيت هذا هو الجواب.
٣٧
فصل في بيان الخطاب لمن ؟ ! هذا الخطاب قيل : للنبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل : عامّ، والنعيم : ما يتنعم به.
والملك الكبير : قال سفيان الثوري : بلغنا أن الملك الكبير، تسليم الملائكة عليهم.
وقيل : كون التيجان على رءوسهم كما يكون على رءوس الملوك.
وقال السديُّ ومقاتل : هو استئذان الملائكة عليهم.
وقال الحكيم والترمذي : هو ملك التكوين إذا أراد شيئاً قال له : كن.
وفي الخبر : أن الملك الكبير هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام، يرى أقصاه كما يرى أدناه، وأن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه ربِّه - تعالى - كل يوم مرتين.
و " عيناً " فيها من الوجوه ما تقدم، قوله " سلسبيلاً " السلسبيل : ما سهل انحداره في الحلق، قال الزجاج : هو في اللغة صفة لما كان في غاية السلاسة، وقال الزمخشري : يقال : شراب سلسل وسلسال وسلسبيل، وقد زيدت الباء في التركيب حتى صارت الكلمة خماسية، ودلت على غاية السلاسة.
قال أبو حيان : فإن كان عنى أنه زيدت حقيقة فليس بجيد ؛ لأن الباء لبست من حروف الزيادة المعهودة في علم النحو، وإن عنى أنها حرف جاء في سنخ الكلمة، وليس في سلسل ولا سلسال ؛ فيصح، ويكون مما اتفق معناه وكان مختلفاً في المادة.
وقال ابن الأعرابي : لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن.
وقال مكي : هو اسم أعجمي نكرة فلذلك صرف.
ووزن سلسبيل فعلليل مثل دردبيس.
وقيل : فعفليل ؛ لأن الفاء مكررة.
وقرأ طلحة سلسبيل دون تنوين ومنعت من الصرف للعلمية والتأنيث ؛ لأنها اسم لعين بعينها، وعلى هذا فكيف صرف في قراءة العامة ؟ فيجاب أنها سميت بذلك لا على
٣٨
جهة العلمية بل على جهة الإطلاق المجرد، أو يكون من باب تنوين " سلاسل " و " قوارير " وقد تقدم.
وأغرب ما قيل في هذا الحرف : أنه مركب من كلمتين من فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول، والتقدير سل أنت سبيلاً إليها.
قال الزمخشري : وقد عزوا إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن معناه سل سبيلاً إليها، قال : وهذا غير مستقيم على ظاهره إلا أن يراد أن جملة قول القائل : سل سبيلاً جعلت علماً للعين ؛ كما قيل : تأبط شراً، وذرى حبًّا، وسميت بذلك ؛ لأنه لا يشرب منها إلاَّ من سأل سبيلاً إليها بالعمل الصالح، وهو مع استقامته في العربية تكلف وابتداع وعزوه إلى مثل علي أبدع وفي شعر بعض المحدثين ٥٠٤٩ب - سَلْ سَبيلاً فِيهَا إلى رَاحةِ النَّفْـ
ـسِ كأنَّهَا سَلسبيلُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٣