قال أبو حيان بعد تعجبه من هذا القول : وأعجب من ذلك توجيه الزمخشري له واشتغاله بحكايته.
قال شهاب الدين : ولو تأمل ما قاله الزمخشري لم يلمه ولم يتعجب مه ؛ لأن الزمخشري هو الذي شنع على هذا القول غاية التشنيع.
وقال أبو البقاء : والسلسبيل كلمة واحدة.
وفي قوله كلمة واحدة تلويح وإيماء إلى هذا الوجه المذكور.
قوله :" ثمَّ " هذا ظرف مكان، وهو مختص بالبعد، وفي انتصابه وجهان : أظهرهما : أنه منصوب على الظرف ومفعول الرؤية غير مذكور ؛ لأنّ القَصْد : وإذا صدرت منك رؤية في ذلك المكان رأيت كيت وكيت، فـ " رأيت " الثاني جواب لـ " إذا ".
وقال الفراء :" ثَمَّ " مفعولة به لـ " رأيت "، والمعنى : وإذا رأيت ما ثم، وصلح إضمار " ما "، كما قال ﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام : ٩٤]، يريد : ما بينكم.
قال الزجاج : لا يجوز إضمار " ما ".
وقال الفراء :" وإذَا رَأيْتَ " تقديره : ما ثمَ، فـ " ما " مفعول، حفت " ما "، وقامت " ثمَّ " مقام " ما ".
وقال الزمخشري تابعاً لأبي إسحاق : ومن قال : معناه : ما ثمَّ، فقد أخطأ ؛ لأن " ثمَّ " صلة لـ " ما " ولا يجوز إسقاط الموصول، وترك الصِّلة.
٣٩
وفي هذا نظر ؛ لأن الكوفيين يجوزون مثل هذا، واستدلوا عليه بأبيات وآيات تقدم الكلام عليها مستوفى في أوائل هذا الموضوع.
وقال ابن عطية : و " ثم " ظرف والعامل فيه " رأيت " أو معناه، والتقدير : رأيت ما ثم فحذفت ما.
قال أبو حيان : وهذا فاسد ؛ لأنه من حيث جعله معمولاً لـ " رأيت " لا يكون صلة لـ " ما " ؛ لأن العامل فبه إذا ذاك محذوف : أي ما استقر ثم.
قال شهاب لدِين : ويمكن أن يجاب عنه، لأنه قوله أو معناه هو القول بأنه صلة لموصول فيكونان وجهين لا وجهاً واحداً حتى يلزمه الفساد، ولولا ذلك لكان قوله أو معناه لا معنى له، ويعني بمعناه أي معنى الفعل من حيث الجملة، وهو الاستقرار المقدر.
والعامة على فتح الثاء من " ثمَّ " كما تقدم.
وقرأ حميد الأعرج بضمها، على أنها العاطفة، وتكون قد عطفت " رأيت " الثاني على الأول ويكون فعل الجواب محذوفاً، ويكون فعل الجواب المحذوف هو الناصب لقوله " نعيماً " والتقدير : وإذا صدرت منك رؤية ثم صدرت رؤية أخرى رأيت نعيماً وملكاً ؛ فرأيت هذا هو الجواب.

فصل واعلم أنه تعالى ذكر بعد ذلك من يكون خادماً في تلك المجالس.


فقال ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ﴾ وقد تقدم تفسير هذين الوصفين في سورة الوقعة والأقرب أن المراد به دوام حيتهم وحسنهم ومواظبتهم على الخدمة الحسنة الموافقة، قال الفراء يقال مخلدون مسورون ويقال مقرطون وروى نفطويه عن ابن الأعرابي مخلدون محلون.
والصفة الثالثة : قوله تعالى ﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً﴾ وفي كيفية التشبيه وجوه : أحدها : شبهوا في حسنهم وصفاء ألوانهم وانتشارهم في مجالسهم ومنازلهم عند اشتغالهم بأنواع الخدمة باللؤلؤ المنثور ولو كان صفاً لشبهوا باللؤلؤ المنظوم ؛ ألا ترى أنه تعالى قال ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾ فإذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين.
وثانيها : أنهم شبهوا باللؤلؤ الرطب إذا انتثر من صدفه لأنه أحسن وأكثر ماء.
٤٠


الصفحة التالية
Icon