الطِّفْلِ الَّذِينَ} [النور : ٣١] فلأن يوجد ذلك في أسماء الجموع أو أسماء الأجناس الفارق بينها وبين واحدها تاء التأنيث بطريق الأولى، وجر " إستبرق " نسقاً على " سندس "، لأن المعنى ثياب من سندس، وثياب من إستبرق.
وما القراءة الثالثة : فرفع " خضر " نعتاً لـ " ثياب " وجر " إستبرق " نسقاً على سندس أي : ثياب خضر من سندس، ومن إستبرق، فعلى هذا يكون الإستبرق أيضاً أخضر.
وأما القراءة الرابعة : فجر " خضر " على أنه نعت لـ " سندس " ورفع " إستبرق " على النسق على " ثياب " بحذف مضاف، أي : وثياب استبرق.
وتقدم الكلام على مادة السندس والإستبرق في سورة الكهف.
وقرأ ابن محيصن :" وإستبرق " بفتح القاف، ثم اضطرب النقل عنه في الهمزة، فبعضهم ينقل عنه أنه قطعها، وبعضهم ينقل أنه وصلها.
قال الزمخشري :" وقرئ :" وإستبرق " نصباً في موضع الجر على منع الصرف، لأنه أعجمي، وهو غلط ؛ لأنه نكرة يدخله حرف التعريف، تقول الإستبرق، إلا أنه يزعم ابن محيصن أنه قد جعل علماً لهذا الضرب من الثياب، وقرأ :" واستبرقَ " بوصل الهمزة والفتح على أنه مسمى بـ " استفعل من البريق، وهو ليس بصحيح - أيضاً - لأنه معرب مشهور تعريبه وأصله استبره ".
وقال أبو حيان : ودل قوله : إلا أن يزعم ابن محيصن، وقوله بعد : وقرئ " واستبرق " بوصل الألف والفتح، أنّ قراءة ابن محيصن هي بقطع الهمزة مع فتح القاف ؟ والمنقول عنه في كتب القراءات : أنه قرأ بوصل الألف وفتح القاف.
قال شهاب الدين : قد سبق الزمخشري إلى هذا مكي، فإنه قال : وقد قرأ ابن محيصن بغير صرف ؟ وهو وهم إن جعله اسماً ؛ لأنه نكرة منصرفة.
وقيل : بل جعله فعلاً ماضياً من " برق " فهو جائز في اللفظ بعيد في المعنى.
وقيل : إنه في الأصل فعل ماض على " استفعل " من " برق "، فهو عربي من البريق، فلما سمِّي به قطعت ألفه ؛ لأنه ليس من أصل الأسماء أن يدخلها ألف الوصل، وإنما دخلت معتلة مغيرة عن أصلها، معدودة، لا يقاس عليها ؛ انتهى، فدل قوله " قطعت ألفه " إلى آخره، أنه قرأ بقطع الهمزة وفتح القاف، ودل قوله أولاً : وقيل : بل جعله فعلاً ماضياً من " برق "، أنه قرأ بوصل الألف، لأنه لا يتصور أن يحكم عليه بالفعلية غير منقول إلى
٤٥
الأسماء، ويترك ألفه ألف قطعٍ ألبتة، وهذا جهل باللغة، فيكون قد رُوِيَ عنه قراءتا قطع الألف ووصلها، فظهر أن الزمخشري لم ينفرد بالنقل عن ابن محيصن بقطع الهمزة.
وقال أبو حاتم في قراءة ابن محيصن : لا يجوز، والصواب : أنه اسم جنس لا ينبغي أن يحمل ضميراً ويؤيد ذلك دخول لام المعرفة عليه، والصواب قطع الألف ؟ وإجراؤه على قراءة الجماعةِ.
قال أبو حيان : نقول : إن ابن محيصن قارئٌ جليلٌ مشهورٌ بمعرفة العربية، وقد أخذ عن أكابر العلماء، فيتطلب لقراءته وجه، وذلك أنه يجعل " استفعل " من البريق ؟ تقول : برق واستبرق، كـ " عجب واسْتجَبَ "، ولما كان قوله :" خضر " يدل على الخضرة، وهي لون ذلك السُّنْدس، وكانت الخضرة مما يكون فيها لشدتها دُهمة وغبش، أخبر أن في ذلك بريقاً وحسناً يزيل غبشيته، فـ " استبرق " فعل ماض، والضمير فيه عائد على السُّندس، أو على الأخضر الدالّ عليه خضر، وهاذ التخريج أولى من تلحين من يعرف بالعربية، وتوهيم ضابط ثقة.
وهذا هو الذي ذكره مكي.
وهذه القراءة قد تقدمت في سورة الكهف.
قوله تعالى :﴿وَحُلُّوا ااْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ عطف على " ويَطُوفُ " عطف ماضياً لفظاً مستقبلاً معنى، وأبرزه بلفظ الماضي لتحققه.
وقال الزمخشري بعد سؤال وجواب من حيث المعنى : وما أحسن بالمعصم أن يكون فيه سواران : سِوَار من ذهب وسوار من فضة.
وناقشه أبو حيان في قوله :" بالمِعْصَم "، فقال : قوله :" بالمعصم " إما أن يكون مفعول " أحسن " وإما أن يكون بلاً منه، وقد فصل بينهما بالجار والمجرورن فإن كان الأول فلا يجوز ؛ لأنه لم يعهد زيادة الباء في مفعول " أفعل " التعجب، لا تقول : ما أحسن بزيد، تريد : ك أحسن زيداً، وإن كان الثاني ففي هذا الفصل خلافٌ، والمنقول عن بعضهم أنه لا يجوز، والمولد منا إذا تكلم ينبغي أن يتحرز في كلامه فيما فيه خلافٌ.
قال شهاب الدين : وأي غرض له في تتبع كلام هذا الرجل حتى في الشيء اليسير على أن الصححي جوازه، وهو المسموع من العرب نثراً، قال عمرو بن معديكرب : لله درَّ بني مجاشع ما أكثر في الهيجاء لقاءها، وأثبت في المكرمات بقاءها، وأحسن في اللُّزْباتِ عطاءها، والتشاغل بغير هذا أولى.
فصل في المراد بالأساور قال هنا :" أساور من فضة " وفي سورة " فاطر " :﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾
٤٦