[فاطر : ٣٣]، وفي سورة " الحج " :﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً﴾ [الحج : ٢٣] فقيل : حليُّ الرجل الفضة.
وقيل : يجمع في أحدهم سواران من ذهب، وسواران من فضة، وسواران من لؤلؤ، ليجتمع محاسن أهل الجنة.
قاله سعيد بن المسيب رضي الله عنه.
وقيل : يعطى كل أحد ما يرغب فيه وتميل نفسه إليه.
وقيل : أسورةُ الفضة إنما تكون للولدان وأسورة الذهب للنساء.
وقيل : هذا للنساء والصبيان.
وقيل : هذا بحسب الأوقات.
قوله تعالى :﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ [قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى :﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ ]، قال : إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مرُّوا بشجرة تخرج من تحت ساقها عينان، فيشربون من إحداها، فيجري عليهم بنضرة النعيم، فلا تتغير أبشارهم، ولا تشعّث أشعارهم أبداً، ثم يشربون من الأخرى، فيخرج ما في بطونهم من الأذى، ثم تستقبلهم خزنةُ الجنة، فيقولون لهم :﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر : ٧٣].
وقال النخعي وأبو قلابة، هو إذا شربوه بعد أكلهم طهرهم، وصار ما أكلوه وما شربوه رشح مسكٍ وضمرت بطونهم.
وقال مقاتل : هو من عين ماء على باب الجنة ينبع من ساق شجرة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غشٍّ وغلٍّ وحسدٍ، وما كان في جوفه من أذى، وعلى هذا فيكون " فعولاً " للمبالغة، ولا يكون فيه حجة للحنفي أنه بمعنى الطاهر.
قاله القرطبي.
قال ابن الخطيب : قوله تعالى :﴿طَهُوراً﴾ فيه قولان : الأول : المبالغة في كونه طاهراً ثم على التفسير احتمالان : أحدهما : ألاَّ يكون نجساً كخمر الدنيا.
٤٧
وثانيهما : المبالغة في البعد عن الأمور المستقذرة، يعني ما مسته الأيدي الوضيعة والأرجل الدنسة.
وثانيهما : أنه لا يؤول إلى النجاسة، أنها ترشح عرقاً من أبدانهم له ريح كريح المسك، وعلى هذين الوجهين يكون الطهور مطهراً ؛ لأنه يطهِّرُ باطنهم عن الأخلاق الذميمة والأشياء المؤذية.
فإن قيل : قوله تعالى :﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ هو نوع ما ذكره قبل ذلك من أنهم يشربون من عين الكافور والزنجبيل والسلسبيل، أو هذا نوع آخر ؟.
قلنا : بل هذا نوع آخر، لوجوه : أحدها : التِّكرار.
والثاني " أنه تعالى أضيف هذا الشراب إلى نفسه تبارك وتعالى، بقوله تعالى :﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾، وذلك يدل على فضل هذا على غيره.
والثالث : ما روي من أنه يقدِّم إليهم الأطعمة والأشربة، فإذا فرغوا منها أتُوا بالشراب الطهور فيشربون فيطهر ذلك بطونهم ويفيض عرقاً من جلودهم مثل ريح المسكِ، وهذا يدل على أن الشراب مغاير لتلك الأشربة، ولأن هذا الشراب يهضم سائر الأشربة ثم له مع هذا الهضم تأثير عجيب وهو أنه يجعل سار الأطعمة والأشربة عرقاً يفوح منه كريح المسك وكل ذلك يدل على المغايرة.
قوله تعالى :﴿إِنَّ هَـذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً﴾، أي : يقال لهم : إن هذا كان حزاؤكم، أي : ثواب أعمالكم، فيزداد بذلك القول فرحهم وسرورهم، كما أن المعاقب يزداد غمّه، إذت قيل له : هذا جزاء عملك الرديء " وكَانَ سَعيُكُمْ " أي : عملكم " مَشْكوراً " أي : من قبل الله وشكره للعبد قبُول طاعته وثناؤه عليه وإثباته.
وقال قتادةُ : غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى.
وقيل : هذا إخبار من الله - تعالى - لعباده في الدنيا كأنه - تعالى - شرح لهم ثواب أهل الجنة، أي أنَّ هذا كان في علمي وحكمي جزاء لكم يا معشر عبيدي لكم خلقتها ولأجلكم أعددتها.
فصل في الكلام على الآية قال ابن الخطيب : وفي الآية سؤالان :
٤٨
الأول : إذا كان فعل العبد خلقاً لله - تعالى - فكيف يعقل أن يكون فعل الله - تعالى - جزاء على فعل الله ؟.
والجواب : أن الجزاء هو الكافي وذلك لا ينافي كونه فعلاً لله.
السؤال الثاني : كون سعي العبد مشكوراً يقتضي كون الله شاكراً له ؟.
والجواب : كون الله - تعالى - شاكراً للعبد محال إلى على وجه المجاز، وهو من ثلاثة أوجه : الأول : قال القاضي : إن الثواب مقابل لعملهم كما أن الشكر مقابل للنعم.
والثاني : قال القفال : إنه مشهور في كلام الناس أن يقولوا للراضي بالقليل والمثنى به أنه مشكور، فيحتمل أن يكون شكر الله لعباده، وهو رضاه عنهم بالقليل من الطاعات وإعطائه إياهم عليهم ثواباً كبيراً.
الثالث : أن منتهى درجة العبد راضياً من ربه مرضيًّا لربه، كما قال تعالى :﴿يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً﴾ [الفجر : ٢٧ - ٢٨]، وكونها راضية من ربه أقلُّ درجة من كونها مرضية لربه، فقوله تعالى :﴿إِنَّ هَـذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً﴾ إشارة إلى الأمر الذي تصير به النفس راضية مرضية، وقوله :﴿وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً﴾ إشارة إلى كونها مرضية لربها لما كانت الحالة أعلى المقامات وآخر الدرجات لا جرم وقع الختم عليها في ذكر مراتب أحوال الأبرار والصديقين
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٣