المؤمنين، وأما الدخان فيقف على رءوس المنافقين، وأما اللهب الصافي فيقف على رءوس الكفار.
وقيل : هو السرادق، وهو لسان من النَّار يحيط بهم يتشعب منه ثلاث شعب، فيظلهم حتى يفرغ من حسابهم، لقوله تعالى :﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف : ٢٩].
وتَسْمِيَةُ النَّار بالظِّل مجاز من حيث إنها محيطةٌ بهم من كل جانب، لقوله تعالى :﴿لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر : ١٦]، وقال تعالى :﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [العنكبوت : ٥٥] وقيل : هو الظل من يحموم لقوله تعالى :﴿وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ﴾ [الواقعة : ٤٣، ٤٤].
وفي الحديث :" إنَّ الشَّمسَ تَدنُو مِنْ رُءوسِ الخَلائقِ، وليْسَ عَلَيْهِم ولا لَهُمْ أكْفانٌ، فتَلْحَقُهمُ الشَّمْسُ وتَأخذُ بأنْفَاسِهمْ، ثُمَّ يُنَجِّي اللهُ بِرحْمَتهِ مَنْ يَشَاءُ إلى ظلِّ من ظلِّه، فهُناكَ يقُولُونَ :﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور : ٢٧] ويقال للمذكبين : انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه ".
قوله :﴿لاَّ ظَلِيلٍ﴾ صفة لـ " ظلّ "، و " لا " متوسّطة بين الصفة والموصوف لإفادة النَّفي، وجيء بالصّفة الأولى اسماً، وبالثانية فعلاً دلالة على نفي ثبوت هذه الصِّفةِ واستقرارها للظل، ونفي التجدد والحدوث للإغناء عن اللَّهب، يقال : أغني عني وجهك، أي أبعد ؛ لأن الغنيَّ عن الشيء يباعد كما أن المحتاج إليه يقاربه.
فال الزمخشري :" ولا يغني " في محل الجر، أي وغير مُغْنٍ عنهم من حر اللهب شيئاً.
﴿إِنَّهَا﴾ أي إن جهنم، لأن السياق كله لأجلها.
وقرأ العامة :" بِشَررٍ " بفتح الشين وألف بين الراءين.
وعيسى كذلك، إلا أنه يفتح الشين.
فقراءة ابن عباس : يجوز أن تكون جمعاً لـ " شَرَرة "، و " فَعَلة " تجمع على " فِعَال " نحو " رَقَبة ورِقَاب، ورحبة ورِحَاب ".
٧٨
وأن يكون جمعاً لـ " شر " لا يراد به " أفعل " التفضيل : يقال : رجل شر، ورجال أشرار ورجل خير ورجال أخيار، ويؤنثان، فيقال : امرأة شرة وامرأة خيرة، فإن أريد بهما التفضيل امتنع ذلك فيهما، واختصّا بأحكام مذكورة في كتب النحو، أي : ترمي بشرار من العذاب، أو بشرار من الخلق.
وأما قراءة عيسى : فهو جمع شرارة بالألف، وهي لغة تميم، والشررة والشرارة : ما تطاير من النار منصرفاً.
قال القرطبي :" الشرر : واحدته شررة، والشرار : واحدته شرارة، وهو ما تطاير من النار في كل جهة، وأصله من شررت الثوب إذا بسطته للشمس ليجفَّ.
والقَصْر : البناء العالي ".
قوله :﴿كَالْقَصْرِ﴾ العامة على فتح القاف والصَّاد، وهي جمع قصرة - بالفتح - والقصرة : أعناق الإبل والنخل وأصول الشجر.
وقرأ ابن جبير والحسن أيضاً : بكسر القاف وفتح الصَّاد، جمع قصرة بفتح القاف.
قال الزمخشري :" كحاجة وحوج ".
وقال أبو حيان :" كحلقة من الحديد وحلق ".
وقرئ :" كالقَصِر " بفتح القاف وكسر الصاد.
قال شهاب الدين : ولم أر لها توجيهاً، ويظهر أن يكون ذلك من باب الإتباع والأصل : كالقصر - بسكون الصاد - ثم أتبع الصاد حركة الراء فكسرها، وإذا كانوا قد فعلوا ذلك في المشغول بحركة نحو " كَتِف، وكَبِد " فلأن يفعلوه في الخالي منها أولى، ويجوز أن يكون ذلك للنقل، بمعنى أنه وقف على الكلمة، فنقل كسرة الراء إلى الساكن قبلها، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، وهو باب شائع عند القراء والنحاة.
وقرأ عبد الله : قُصُر وفيها وجهان :
٧٩
أحدهما : أنه جمع قصر، كـ " رَهْن ورُهُن ".
قاله الزمخشري.
والثاني : أنه مقصور من قصور ؛ كقوله :[الرجز]
٥٠٦٠ - فِيهَا عَيَايِيلُ أسُودٌ ونُمُرْ
يريد : نمور، فقصر، وكقوله :﴿وَالنَّجْمِ﴾ [النجم : ١] يريد : النجوم.
وتخريج الزمخشري أولى، لأن محل الثاني إما الضرورة، وإما الندور.
قوله :" جِمَالات " قرأ الأخوان وحفص :" جِمَالَة "، والباقون :" جِمَالاَت ".
فـ " الجِمَالة " نحو " ذكر، وذِكارة، وحجر، وحِجَارة ".
والثاني : أنه جمع كـ " الذِّكَارة، والحِجَارة ".
قاله أبو البقاء.
والأول : قول النحاة.
وأما " جمالات "، فيجوز أن يكون جمعاً لـ " جمالة "، وأن يكون جمعاً لـ " جمال "، فيكون جمع الجمع، ويجوز أن يكون جمعاً لـ " جميل " المفرد كقولهم :" رجالات قريش " كذا قالوه.
وفيه نظر ؛ لأنهم نصُّوا على أن الأسماء الجامدة، وغير العاقلة لا تجمع بالألف والتاء، إلا إذا لم تكسر، فإن تكسرت لم تجمع، وقالوا : ولذلك لحن المتنبي في قوله :[الطويل] ٥٠٦١ - إذَا كَانَ بَعْضُ النَّاس سَيْفاً لِدوْلَةٍ
فَفِي النَِّاس بُوقاتٌ لَهُمْ وطُبُولُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٧٧


الصفحة التالية
Icon