فجمع " بوقاً " على " بوقات " مع قولهم :" أبواق "، فكذلك " جمالات " مع قولهم :" جمل، وجمال " على أن بعضهم لا يجيز ذلك، ويجعل نحو " حمامات، وسجلات " شاذًّا، وإن لم يكسر.
وقرأ الن عباس والحسن وابن جبير وقتادة وأبو رجاء، بخلاف عنهم كذلك، إلا أنهم ضموا الجيم، وهي حبال السفن.
وقيل : قلوص الجسور، الواحد منها جملة، لاشتمالها على طاقات الحبال، وفيها وجهان : أحدهما : أن يكون " جُمالات " - بالضم - جمع جمال، فـ " جمال " جمع " جملة "، كذا قال أبوحيَّان، ويحتاج في إثبات أن " جُمَالات " جمع " جملة " بالضم إلى نقل.
٨٠
والثاني : أن " جمالات " جمع " جمالة " جمع " جمالة ".
قاله الزمخشري.
وهو ظاهر.
وقرأ ابن عبَّاس والسلمي وأبو حيوة :" جُمَالة " بضم الجيم لما قاله الزمخشري آنفاً.
وروى عن علي - رضي الله عنه - أنها قطع النُّحاس.
قوله :﴿صُفْرٌ﴾.
صفة لـ " جمالات " أو لـ " جمالة " لأنه إما جمع أو اسم جمع.
والعامة : على سكون الفاء جمع، والحسن بضمها، كأنه إتباع، ووقع التشبيه بها في غاية الفصاحة.
قال الزمخشري : وقيل :" صُفْر " سود تضرب إلى الصفرة، وفي شعر عمران بن حطَّان الخارجيِّ :[الطويل] ٥٠٦٢ - دَعتْهُمْ بأعْلَى صَوْتهَا ورَمتهُمُ
بِمِثْلِ الجمالِ الصُّفْرِ نزَّاعةُ الشَّوَى
وقال أبو العلاءِ :[الكامل] ٥٠٦٣ - حَمْرَاءُ سَاطِعَةُ الذَّوائِبِ في الدُّجَى
تَرْمِي بكُلِّ شَرارةٍ كطِرَافِ
فشببها بالطِّراف، وهو بيت الأدم في العظمِ والحمرة، وكأنه قصد بخبثه أن يزيد على تشبيه القرآن، ولتيجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته قوله : حمراء، توطئة لها ومناداة عليها تنبيهاً للسَّامعين على مكانها، ولقد عمي، جمع الله له عمى الدارين عن قوله تعالى :﴿كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ فإنه بمنزلة قوله : كبيت أحمر وعلى أن في التشبيه بالقصر، وهو الحصن تشبيهاً من جهتين : من جهة العظم، ومن جهة الطّول في الهواء.
انتهى.
وكان قد قال قبل ذلك بقليل :" شبهت بالقصور، ثم بالجمال لبيان التشبيه ؛ ألا ترى أنهم يشبهون الإبل بالأفدان والمجادل ".
والأفدان : القصور ؛ كأنه يشير إلى قول عنترة :[الكامل] ٥٠٦٤ - فَوقفْتُ فِيهَا نَاقَتِي وكَأنَّهَا
فَدنٌ لأقْضِيَ حَاجةَ المُتلومِ

فصل في المراد بالقصر قال القرطبي : القصر : البناء العالي.


٨١
وقيل : القصر : جمع قصرة - ساكنة الصاد - مثل جمرة وجمرة، وتمر وتمرة، والقصر : الواحدة من جزل الحطب الغليظ.
قال سعيد بن جبير، والضحاك : هي أصول الشجر والنخل العظام إذا وقع وقطع.
وقيل : أعناقه : شبّه الشرر بالجمال الصفر، وهي الإبل السود، والعرب تسمي السود من الإبل صفراً.
قال الشاعر :[الخفيف] ٥٠٦٥ - تِلْكَ خَليْلِي منهُ وتِلْكَ رِكَابِي
هُنَّ صُفْرٌ أولادُهَا كالزَّبيبِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٧٧
أي : هنّ سود، وإنما سميت السود من الإبل صفراً ؛ لأنه يشوب سوادها شيء من صفرة.
قال الترمذي : وهذا القول ضعيف، ومحال في اللغة أن يكون من يشوبه قليل فينسب كله إلى ذلك الشاتئب، فالعجب ممن قال هذا، وقد قال تعالى :﴿جِمَالَةٌ صُفْرٌ﴾ فلا نعلم شيئاً من هذا في اللغة.
والجمالات : الجمال.
وقال الفراء : يجوز أن تكون الجُمَالات - بالضم - من الشيء المجمل، يقال : أجملت الحساب، وجاء القوم جملة، أي مجتمعين.
والمعنى : أن هذا الشرر يرتفع كأنه شيء مجموع غليظ أصفر.
قيل : شبهها بالجمالات لسرعة سيرها.
وقيل : لمتابعة بعضها بعضاً.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٧٧
قوله :﴿هَـذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ﴾ العامة على رفع " يوم " خبراً لـ " هذا "، أي تقول الملائكة : هذا يوم لا ينطقون.
ويجوز أن يكون " انطَلِقُوا " من قول الملائكة ثم يقول الله لأوليائه : هذا يومُ لا ينطق الكافر، ومعنى اليوم السَّاعة والوقت.
وزيد بن علي، والأعرج، والأعمش، وأبو حيوة، وعاصم في بعض طرقه : بالفتحِ، وفيه وجهان : أحدهما : أن الفتحة فتحة بناء، وهو خبر لـ " هذا " كما تقدم.
٨٢


الصفحة التالية
Icon