سورة النازعات
مكية، وهي ست وأربعون آية، ومائة وسبعون كلمة، وسبعمائة وثلاثون حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٢٠
قوله تعالى :﴿وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً﴾ يجوز في " غرقاً " أن يكون مصدراً على حذفِ الزوائد، بمعنى " إغْرَاقاً "، وانتصابه بما قبله لملاقاته في المعنى.
وإمَّا على الحال، أي : ذواتُ إغراقِ، يقال : أغرق في الشيء يغرق فيه إذا أوغل، وبلغ أقصى غايته، ومنه أغرق النازع في القوس أي : بلغ غاية المد والاستغراق والاستيعاب.

فصل في المراد بالنازعات أقسم الله تعالى بهذه الأسماء الخمسة على أن القيامة حق.


و " النَّازعات " قيل : هي الملائكة التي تنزع أرواح الكُفَّار، قاله علي، وابن مسعود، ومسروق، ومجاهد.
قال ابن مسعود : يريد أنفس الكفار ينزعها ملك الموت من أجسادهم، من تحت كل شعرة، ومن تحت الأظافير، وأصول القدمينِ نزعاً، كالسَّفُّود ينزع من الصوف الرَّطب، ثم يغرقُها، يرجعها إلى أجسادهم، ثم ينزعها، فهذا عمله في الكفَّار.
وقال سعيد بن جبر : نُزعَتْ أرْواحُهم، ثم غرقت، ثم حرقت، ثم قذف بها في النار.
١٢١
وقيل : يرى الكافر نفسه في وقت النَّزع كأنها تغرق.
وقال السدي :" والنَّازِعَات " هي النفوس حين تغرقُ في الصُّدور.
وقال مجاهد : هي الموت ينزع النفوس.
وقال الحسن وقتادة : هي النَّجوم تنزع من أفق إلى أفق، أي : تذهب، من قولهم : نزع إليها اي ذهب، أو من قولهم : نزعت الخيل، أيك " جرت "، " غرقاً " أي أنها تغرق وتغيب وتطلع من أفق إلى أفق آخر، وهو قول أبي عبيدة وابن كيسان والأخفش.
وقال عطاء وعكرمة :" والنَّازعَاتِ " القسيُّ تنزع بالسهام.
" غرقاً " بمعنى : إغراق، وإغراق النازع في القوس إذا بلغ غاية المدِّ حتى ينتهي إلى النَّصلِ، ويقال لقشرة البيضة الدَّاخلة " غِرقئ ".
وقيل : هم الغُزَاةُ الرُّماة، وهو الذي قبله سواء ؛ لأنه إذا أقسم بالقسي فالمراد : النازعون بها تعظيماً لها، كقوله تعالى :﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً﴾ [العاديات : ١].
وقال يحيى بنُ سلام : هي الوحش تنوزع من الكلأ وتنفر.
ومعنى " غرقاً " أي : إبعاداً في النزع.
قوله تعالى :﴿وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً﴾.
اعلم أن " نَشْطاً، وسَبْحاً، وسَبْقاً " كلها مصادر.
والنَّشْطُ : الرَّبْطُ، والإنشاطُ : الحل، يقال : نَشَطَ البعير : رَبطهُ، وأنشطهُ : حله.
ومنه :" كأنَّما أنشط من عقال "، فالهمزة للسَّلب، ونشط : ذهب بسرعةٍ، ومنه قيل لبقر الوحش : النواشط ؛ وقال هميانُ بنُ قحافةَ :[الرجز] ٥٠٨٦ - أمْسَتْ هُمومِي تَنْشِطُ المنَاشِطَا
الشَّام بِي طَوْراً وطَوْراً واسِطَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٢١
ونشط الحبل أنشطه أنشوطة : عقدته، وأنْشَطْتُه : مددته، ونشط كـ " أنشط ".
١٢٢
قال الأصمعي : بئرٌ أنشاط : أي : قربيةُ القعرِ، يخرج الدَّلوُ منها بجذبةٍ واحدةٍ، وبئر نشُوط، قال : وهي التي لا تخرج الدلو منها حتى تنشط كثيراً.
فصل في المراد بالناشطات قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : يعني الملائكة تنشط نفس المؤمن، فتقبضها كما ينشط العقال من يد البعير إذا حلَّ عنه.
وقيل : يعني أنفس الكفار والمنافقين تنشط كما ينشط العقب الذي يعقب به السَّرج.
والنَّشْطُ " الجذبُ بسرعة.
ومنه الأُنشوطةُ : عقدة يسهل انحلالُها إذا جذبتْ مثل عقدة التكّة.
قال الليث : أنشطه بأنشوطة وأنشوطتين أي : أوثقته، وأنشطت العقال، أي : مددت أنشوطته فانحلّت.
ويقال : نشط بمعنى أنشط، لغتان بمعنى.
وعن ابن عباس أيضاً : أن الناشطات الملائكة، لنشاطها تذهب وتجيء بأمر ربها حيثما كان.
وقال مجاهدٌ : هو الموت ينشط نفس الإنسان.
وقال السدي : هي النفوس حين تَنْشَطُ من القدَميْنِ.
وقال قتادةُ، والحسنُ والأخفشُ : هي النجوم تنشط من أفقٍ إلى أفقٍ، أي : تذهب.
قال الجوهريُّ : يعني النجوم تنشطُ من بُرجٍ إلى برجٍ، كالثَّور الناشط من بلدٍ إلى بلدٍ.
وقيل :" النازعات " للكافرين : و " النَّاشطاتِ " للمؤمنين، فالملائكةُ يجْذِبُونَ أرواح المؤمنين برفقٍ.
والنَّزْعُ : جذبق بشدَّةٍ.
وقيل : هما جميعاً للكفَّار، وزالاثنان بعدهما للمؤمنين.
قوله :﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً﴾.
قال عليٌّ رضي الله عنه : هي الملائكة تُسبح أرواح المؤمنين.
١٢٣
قال الكلبيُّ : كالذي يسبح في الماء، فأحياناً يَنْغَمِسُ، وأحياناً يرتفع يسلُّونها سلاًّ رفيقاً بسهولة، ثم يدعُونهَا حتى تستريح.
وقال مجاهدٌ وأبو صالحٍ : هي الملائكة ينزِلُونَ من السماء مُسْرِغينَ لأمر الله تعالى، كما يقال للفرس الجواد : سابحٌ إذا أسرع في جريه، وعن مجاهد : السابحات : الموت يسبح في نفوس بني آدم.
وقيل : هي الخيل الغزاة.
قال عنترةُ :[مجزوء الكامل] ٥٠٨٧ - والخِيْلُ تَعْلمُ حِينَ تَسْـ
ـبَحُ في حِيَاضِ المَوْتِ سَبْحاً


الصفحة التالية
Icon