وقال السديُّ : زَائلةٌ عن أماكنها، ونظيره :﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ﴾ [غافر : ١٨].
وقال المؤرج، قلقة مستوفزة، مُرتكضةٌ غير ساكنة.
وقال المبرد : مضطربة، والمعنى متقارب، والمراد : قلوب الكفَّار، يقال : وجَفَ القلب يَجِفُ وجِيفاً : إذا خفق، كما يقال : وجَبَ يَجِبُ وَجِيْباً - بالياء الموحدة - بدل الفاء، ومنه وجيف الفرس والنَّاقة في العدوِ.
والإيجاف : حمل الدابة على السير السريع.
قوله :﴿أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ﴾ أي : مُنْكَسِرةٌ ذليلة من هول ما ترى، نظيره :﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ [القلم : ٤٣].
قوله :﴿يَقُولُونَ﴾ أي : يقول هؤلاء المكذَّبون المنكِرُونَ للبعث إذا قيل لهم : إنكم تُبْعَثُون، قالوا منكرين متعجبين : أنُرَدُّ بعد موتتنا إلى أول الأمر، فنعود أحياء، كما كنا قبل الموت ؟ وهو كقولهم :﴿أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً﴾ [الإسراء : ٤٩].
١٢٩
قوله :﴿فِي الْحَافِرَةِ﴾ " الحافرة " : التي يرجعُ الإنسان فيها من حيث جاء، يقال : رجع في حافرته، ثم يعبر عن الرجوع في الأحوال من آخر الأمر إلى أوله ؛ قال :[الوافر] ٥٠٨٩ - أحَافِرةً عَلى صَلعٍ وشَيْبٍ ؟
مَعاذَ اللهِ من سَفهٍ وعَارِ
يقول : أأرجعُ ما كنت عليه في شبابي مع الغزلِ والصبا بعد أن شبت وصلعت ؟.
وأصله : أنَّ الإنسان إذا رجع في طريقه أثرت قدماه فيها حفراً.
وقال الراغبُ، في قوله تعالى :﴿فِي الْحَافِرَةِ﴾ مثل لمن يرد من حيث جاء، أي : أنَحْيَا بعد أن نموت ؟.
وقيل :" الحَافرة "، الأرضُ التي جُعلتْ قبُورهُمْ فيها، ومعناه : أئِنَّا لمردودون ونحن في الحافرة ؟ أي : في القبور.
وقوله :" في الحافرة " على هذا في موضع الحال، ويقال : رجع اشليخ إلى حافرته، أي : هرم لقوله تعالى :﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ [النحل : ٧٠].
وقولهم :" النقد عند الحافرة " لما يباع نقداً، وأصله من الفرس إذا بيع، فيقال : لا يزول حافره، أو ينقد ثمنه.
والحفر : تآكل الأسنان، ود حفر فوه حفراً، وقد أحفر المهر للأثناء والأرباع.
والحافرة :" فاعلة " بمعنى :" مفعولة "، وهي الأرض التي تحفر قبورهم فيها فهي بمعنى :" المحفورة "، كقوله تعالى :﴿مَّآءٍ دَافِقٍ﴾ [الطارق : ٦]، و ﴿عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ [القارعة : ٧]، والمعنى : أئِنَّا لمردودون في قبورنا.
وقيل : على النسب، أي : ذاتُ حفر.
وقيل : سُمِّيت الأرض الحافرة ؛ لأنها مستقر الحوافر، كما سمِّيت القدم أرضاً ؛ لأنها على الأرض، لقولهم : الحافرة جمع حافرة بمعنى : القدم أي : نمشي أحياء على أقدامنا، ونطأ بها الأرض.
وقيل : هي أول الأمر.
ويقول التجار :" النقد في الحافرة " أي في أول السّوم ؛ وقال الشاعر :[السريع] ٥٠٩٠ - آلَيْتُ لا أنْسَاكُم فاعْلَمُوا
حَتَّى يُرَدَّ النَّاسُ في الحَافِرَهْ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٢٧
١٣٠
وقال ابن زيدٍ : الحافرة " النَّار "، وقرأ :" تلك إذا كرَّه خاسرة ".
وقال مقاتلٌ وزيدُ بن أسلم : هي اسم من أسماء النار.
وقال ابنُ عبَّاسٍ : الحافرة في كلام العرب : الأرض التي تغيَّرت وأنتنت بأجسادِ موتاها، من قولهم : حفرت أسنانه، أي : تآكلت، أي : دكها الوسخُ من باطنها وظاهرها، ويجوز تعلقه بـ " مردودون "، أو : بمحذوف على أنه حال.

فصل في تفسير الآية قال ابن الخطيب : هذه الأحوال المتقدمة هي أحوال القيامة عند جمهور المفسرين.


وقال أبو مسلم : هذه الأحوال ليست هي أحوال القيامة ؛ لأنه فسَّر " النَّازعات " بنزعِ القوسِ، و " المُدبِّرات " بالأمور التي تحصل أدبار ذلك الرمي، والعدو، ثم بنى على ذلك فقال :" الرَّاجفَة " هي خيلُ المشركين، وكذلك " الرَّادفة "، وهما طائفتان من المشركين غزوا رسول الله ﷺ فسبقت إحداهما الخرى، والقلوب الواجفة، هي القلقةُ، والأبصار الخاشعة، هي أبصار المنافقين، كقوله تعالى :﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [محمد : ٢٠]، كأنَّه قيل : لمَّا جاء خيل العدو ترجف ؛ لأنها اضطربت قلوب المنافقين خوفاً، وخشعت أبصارهم جُبْناً وضَعْفاً ثم قالوا :" أئِنَّا لمردودون فِي الحَافِرَةِ " أي : نرجع إلى الدنيا حتى نتحمّل هذا الخوف لأجلها.
وقالوا أيضاً :" تِلْكَ إذا كَرَّة خَاسِرةٌ "، فأول هذا الكلام حكاية لحال من غزا رسول الله ﷺ من المشركين، وأوسطه حكاية لحال المنافقين، وآخره حكاية لكلام المنافقين في إنكار الحشر، ثم إنه - تعالى - أجاب عن كلامهم بقوله تعالى :﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ﴾.
قال ابن الخطيب : وكلام أبي مسلم محتملٌ، وإن كان على خلاف قولِ الجمهور.
قوله تعالى :﴿أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً﴾.
قرأ الأخوان وأوب بكرك " نَاخِرَةً " بألف.
والباقون :" نَخِرة " بدُونِهَا.
١٣١


الصفحة التالية
Icon