وقال أبو البقاء : لمَّا كان المعنى : أدعوك، جاء بـ " إلى ".
وقال غيره : يقال : هل لك في كذا، هل لك إلى كذا كما تقول : هل ترغب فيه وهل ترغب إليه ؟.
قال الواحدي : المبتدأ محذوف في اللفظ، مراد في المعنى، والتقدير : هل لك إلى أن تزكَّى حاجة.
وقرأ نافع وابن كثير : بتشديد الزاي من " تزكَّى " والأصل تتزكى، وكذلك " تَصدَّى " في السورة تحتها، فالحرميان : أدغما، والباقون : حذفوا، نحو تنزل، وتقدَّم الخلاف في أيتهما المحذوفة.

فصل في تفسير الآية معنى " هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزكَّى " أي : تُسْلِم فتطهرُ من الذُّنُوبِ.


وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - هل لك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله.
و " أهْديكَ إلى ربِّك فتَخْشَى " أي : تخافُه وتتقيه.
قال ابن الخطيب : سائر الآيات تدل على أنه - تعالى - لمَّا نادى موسى - عليه الصلاة والسلام - ذكر له أشياء كثيرة، كقوله تعالى في سورة " طه " :﴿نُودِيَ يا مُوسَى إِنِّى أَنَاْ رَبُّكَ﴾ [طه : ١١، ١٢] إلى قوله :﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ [طه : ٢٣، ٢٤].
فدلَّ [قوله تعالى - هاهنا - :" اذْهَبْ إلى فِرعَوْنَ إنَّه طَغَى " ] أنه من جملة ما ناداه به [لا ل ما ناداه به]، وأيضاً فليس الغرض أنَّه ﷺ كان مبعوثاً إلى فرعون فقط بل إلى كل من كان في الطور، إلاَّ أنَّه خصَّه دعوته جاريةً مجرى دعوةِ كُلِّ القَوْمِ.
فصل في كلان المعتزلة تمسُّم المعتزلة بهذه الآية في إبطال القول بأن الله - تعالى - يخلق فعل العبد،
١٣٧
فإن هذا استفهام على سبيل التقرير، أي : لك سبيل إلى أن تزكَّى، ولو كان بفعل الله - تعالى - لا نقلب الكلام حجةً على موسى.
والجواب : ما تقدَّم في نظائره.
حكى القرطبيُّ عن صخرِ بنِ جويرية قال :" لمَّا بعث الله تعالى موسى - عليه الصلاة والسلام - إلى فرعون، قال له :" اذْهَبْ إلى فِرْعَونَ " إلى قوله :" وأهْديكَ إلى ربِّك فتَخْشَى "، ولن يفعل، فقال : يا رب، وكيف أذهب إليه، وقد علمت أنه لا يفعل، فأوحى الله - تعالى - إليه أن امض إلى ما أمرتَ به، فإنَّ في السماء اثني عشر ألفاً ملك، يطلبون علم القدرة، فلم يبلغوه، ولم يدركوه ".
قوله تعالى :﴿فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى ﴾ " الفاء " في " فأراه " : معطوف على محذوف، يعني فذهب فأراه، كقوله تعالى :﴿اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ﴾ [البقرة : ٦٠] أي : فضرب فانفجرت.
واختلفوا في الآية الكبرى، أي : العلامة العظمى، وهي المعجزة.
فقيل : هي العصا.
وقيل : اليدُ البيضاءُ تبْرقُ كالشَّمْسِ، قاله مقاتل والكلبي.
والأول : قول عطاء وابن عباس ؛ لأنَّه ليس في اليد إلا انقلاب لونها، وهذا كان حاصلاً في العصا ؛ لأنَّها انقلبت حيّة، فلا بد وأن يتغيَّر اللون الأول، فإذن كل ما في اليد، فهو حاصل في العصا، وأمور أخر، وهي الحياة في الجرم الجمادي، وتزايد الأجر إليه، وحصول القدرةِ الكبيرة والقُوَّة الشديدة، وابتلاعها أشياء كثيرة، وزوال الحياة، والقدرة عليها، وبقاء تلك الأجزاء التي عظمت، وزوال ذلك اللون والشكل اللذين صارت العصا بهما حيَّة، وكلُّ واحدٍ من هذه الوجوه كان معجزاً مستقلاً في نفسه، فعلمنا أن الآية الكبرى هي العصا.
وقال مجاهد : هي مجموع العصا واليد.
وقيل : فلق البحر، وقيل : جميع آياته ومعجزاته.
﴿فَكَذَّبَ﴾ أي : كذَّب بِنَبِيِّ الله موسى و " عصى " ربَّه تبارك وتعالى.
فإن قيل : كل من كذَّب الله فقد عصى، فما فائدة قوله :" فكذب وعصى " ؟.
فالجواب : كذَّب بالقول، وعصى بالتمرد والتجبر.
١٣٨


الصفحة التالية
Icon