ومعنى قوله :﴿وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا﴾ أي : جعلهُ مُظلماً، وأضاف اللَّيل إلى السَّماء ؛ لأنَّ الليل يكون بغروب الشمس، والشمس تضاف إلى السماء، ويقال : نجُومُ اللَّيْلِ ؛ لأنَّ ظهورها بالليل.
قوله :﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾، فيه حذف، أي : ضحى شمسها، وأضاف الليل والضحى لها للملابسة التي بينها وبينهما، وإنَّما عبَّر عن النَّهارِ بالضحى ؛ لأنَّ الضُّحى أكمل النَّهار بالنَّور والضَّوءِ.
قوله تعالى :﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ أي : بسطها، و " بَعْدَ " على بابها من التأخير، ولا معارضة بينها وبين آية فُصلت ؛ لأنَّه - تعالى - خلق الأرض غير مدحوة، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض.
وقول أبي عبيدة : إنَّها بمعنى :" قَبْلَ " منكرٌ عند العلماء.
والعرب تقول : دحوتُ الشيء ادحوهُ دحْواً : إذا بسطه، ودحضى يَدحِي دَحْياً : إذا بسطه، فهو من ذوات الواو والياء، فيكتب بالألف، والياء.
وقيل لعشّ النَّعامة : أدحو، وأدحى لانبساطه في الأرض.
وقال أمية بن أبي الصلت :[الوافر] ٥١٠٢ - وبَثَّ الخَلْقَ فِيهَا إذْ دَحاهَا
فَهُمْ قُطَّانُهَا حتَّى التَّنَادِي
وقيل : دَحَى بمعنى سوَّى.
قال زيدُ بنُ عمرو بن نفيلٍ :[المتقارب] ٥١٠٣ - وأسْلَمْتُ وجْهِي لِمَنْ أسْلمَتْ
لَهُ الأرْضُ تَحْمِلُ صَخْراتً ثِقَالاً
دَحَاهَا فلمَّا اسْتَوَتْ شَدَّهَا بأيدٍ وأرْسَى عَلَيْهَا الجِبَالا والعامة : على نصب الأرض، والجبال على إضمار فعلٍ مفسَّر بما بعده، وهو المختار لتقدُّم جملة فعلية.
ورفعهما الحسن، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة وأبو السمال وعمرو بن عبيد، برفعهما علىالابتداء، وعيسى برفع " الأرض " فقط.
١٤٣
فصل روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : خلق الله تعالى الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان، وكان قبل أن يخلق الدُّنيا بألفي عام، ثم دُحيتِ الأرض من تحت البيت.
وحكى القرطبي عن بعض أهل العلم أنَّ " بَعْدَ " هنا في موضع :" مع "، كأنَّه قال : والأرض مع ذلك دحاها، كقوله تعالى :﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ [القلم : ١٣]، ومنه قولهم :" أنت أحمق، وأنت بعد هذا سيِّئُ الخلقِ " ؛ وقال الشاعر :[الطويل] ٥١٠٤ - حَمدْتُ إلَهِي بَعْدَ عُرْوةَ إذْ نَجَا
خِراشٌ وبَعْضُ الشَّرِّ أهونُ مِنَ بعضِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ١٤١
وزعموا أن خِراشاً نجا قبل عروة.
وقيل :" دَحاهَا " حرقها وشقَّها، قاله ابن زيد.
وقيل :" دَحاهَا " مهَّدها للأقوات، والمعنى متقارب.
قوله :﴿أَخْرَجَ﴾.
فيه وجهان : أحدهما : أن يكون تفسيراً.
والثاني : أن يكون حالاً.
قال الزمخشري : فإن قلت هلاَّ أدخل حرف العطف على " أخرج " ؟ قلت : فيه وجهان : أحدهما : أن يكون " دَحَاهَا " بمعنى : بسطها، ومهَّدها للسُّكْنَى، ثم فسَّر التَّمهيد بما
١٤٤
لا بد منه في تأتي سكناها من تسوية أمر المأكلِ والمشربِ وإمكان القرار عليها.
والثاني : أن يكون " أخْرَج " حالاً، بإضمار " قد "، كقوله تعالى :﴿أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ [النساء : ٩٠].
واعلم أنَّ إضمار " قد " هو قول الجمهور، وخالف الكوفيون والأخفش.
قوله :﴿مِنْهَا مَآءَهَا﴾، أي : من الأرض عيونها المتفجِّرة بالماء.
و " مَرْعَاهَا " أي : النبات الذي يرعى، والمراد بمرعاها، ما يأكل النَّاسُ والأنعامُ، ونظيره قوله تعالى :﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً﴾ [عبس : ٢٥، ٢٦]، إلى قوله تعالى :﴿مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ﴾ [عبس : ٣٢]، واستعير الرَّعي للإنسان، كما استعير الرَّتعُ في قوله :﴿يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ﴾ [يوسف : ١٢]، وقد قُرئ " نرتع " ويرتع من الرَّعي، والرعي في الأصل مكان أو زمان، أو مصدر، وهو هنا مصدر بمعنى :" المفعول "، وهو في حق الآدميين استعارة.
قال ابن قتيبة : قال تعالى :﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء : ٣٠]، فانظر كيف دلَّ بقوله :" مَاءهَا ومَرْعاهَا " على جميع ما أخرجه من الأرض قوتاً، ومنها متاعاً للأنام من العشب، والشجر، والثمر، والحب والقضب، واللباس، والدواء، حتى النار والملح.
أمَّا النار ؛ فلأنها من العيدانِ، قال رجل وعلا :﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ﴾ [الواقعة : ٧١، ٧٢].
وأمَّا الملحُ ؛ فلأنَّه من الماءِ.
قوله تعالى :﴿وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾.
قراءة العامة : بنصب الجبال.
وأرْسَى : ثبَّت فيها الجبال.
وقرأ الحسنُ، وعمرو بنُ عبيدٍ، وعمرو بنُ ميمونٍ، ونصرُ بنُ عاصمٍ : بالرَّفعِ على الابتداءِ.
قوله تعالى :﴿مَتَاعاً لَّكُمْ﴾.
العامَّة : على النصب مفعولاً له، أو مصدراً لعاملٍ مقدرٍ، اي : متَّعكُمْ، أو مصدراً من غير اللفظ ؛ لأن المعنى : أخرج منها ماءها ومرعاها أمتع بذلك.
وقبلأ : نُصِبَ بإسقاط حرف الصفة، تقديره : لتتمتعوا به متاعاً، والمعنى لكم ولأنعامكم.
١٤٥


الصفحة التالية
Icon