قال قتادة : وأصل الكلمة من العلو، ويقال للشيء المرتفع سنامٌ، ومنه سنامُ البعيرِ، وتسمنتُ الحائط : إذا علوته.
وقال الضحاك : هو شراب اسمه : تسنيمٌ، وهو من أشرف الشراب.
قال ابنُ مسعودٍ وابن عباسٍ : هو خالص للمقربين يشربونها، ويمزج لسائر أهل الجنَّة، وهو قوله تعالى :﴿وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾.
وعن ابن عباس : أنَّه سُئِلَ عن قوله تعالى :﴿مِن تَسْنِيمٍ﴾ قال : هذا ما قال الله تعالى :﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة : ١٧].
قوله :﴿عَيْناً﴾.
فيه أوجه : أحدها : أنَّه حالٌ.
قال الزجاج : يعني من تسنيم، لأنه علم لشيء بعينه، إلا أنه يشكل بكونه جامداً.
الثاني : أنه منصوب على المدح.
قاله الزمخشري.
الثالث : أنَّها منصوبة بـ " يُسْقونَ " مقدراً.
قاله الأخفش.
وقوله :﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾ أي : منها، والباء زائدة، أو ضمير " يشرب " بمعنى يروى، وتقدم هذا مشبعاً في " هل أتى ".
قال البغوي : التقدير : يشربها المقربون صرفاً.
قوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ﴾، أي : أشركوا، يعني : كفَّا قريش أبا جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل من مترفي " مكة ".
﴿كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ عمَّار، وخبَّاب، وصهيب، وبلال وأصحابهم من فقراء المؤمنين " يَضْحَكُون " استهزاء بهم.
وقوله :﴿مِنَ الَّذِينَ﴾ متعلِّق بـ " يضحكون " أي : من أجلهم، وقدم لأجل الفواصل.
قوله تعالى :﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ﴾ يعني : المؤمنين بالكفار " يَتَغَامَزُونَ "، والغَمْز : الإشارة بالجفنِ والحاجبِ، أي : يشيرون إليهم بالأعين استهزاء.
٢٢٣
وقيل : الغمزُ بمعنى : العيب يقال : غمزوهُ، أي : عابه، وما في فلان غميزٌ، أي : ما يعابُ به.
قوله تعالى :﴿وَإِذَا انقَلَبُوا ااْ﴾ يعني : الكفار ﴿إِلَى أَهْلِهِمْ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ﴾ معجبين بما هم فيه، يتفكَّهُونَ تذكرهم بالسُّوءِ.
وقرأ حفص :" فكهين " دون ألف.
والباقون : بها.
فقيل : هما بمعنى، وقيل :" فكهين " أشرين، و " فاكهين " من التفكه.
وقيل :" فكهين " فرحين و " فاكهين " ناعمين.
وقيل :" فاكهين " أصحاب فاكهة ومزاج.
قوله :﴿وَإِذَا رَأَوْهُمْ﴾.
يجوز أن يكون المرفوع للكفَّار، والمنصوب للمؤمنين، أي : أن الكفار إذا رأوا أصحاب النبي ﷺ قالوا :﴿إِنَّ هَاؤُلاَءِ لَضَالُّونَ﴾ أي : يأتون محمداً المختار، يرون أنهم على شيء، أي : هم على ضلال في تركهم التنعيم الحاضر بسبب شراب لا يدري هل له وجود أم لا ؟ ويجوز العكس، وكذلك الضميران في ﴿أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ﴾ يعني : المشركين عليهم، والمعنى :﴿وَمَآ أُرْسِلُواْ﴾ يعني المشركين " عليهم " يعني المؤمنين " حافظين " أعمالهم، لم يوكلوا بحفظ أعمالهم.
قوله تعالى :﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾.
" فاليوم " : منصوب بـ " يَضْحَكُون "، ولا يضرّ تقديمه على المبتدأ، لأنه لو تقدم هان العامل لجاز، إذ لا لبس بخلاف " زيد قائم في الدار " لا يجوز " في الدار زيد قائم ".
ومعنى، " فاليوم " أي : في الآخرة يضحك المؤمنون من الكافرين، وفي سبب هذا الضحك وجوه : منها : أنَّ الكفار كانوا يضحكون على المؤمنين في الدنيا، بسبب ما هم فيه من التضرر والبؤس، وفي الآخرة يضحك المؤمنون على الكافرين، بسبب ما هم فيه من أنواع العذاب والبلاء.
ومنها : أنَّهم علموا أنهم كانوا في الدنيا على غير شيء، وأنهم باعوا الباقي بالفاني.
ومنها : أنَّهم دخلوا الجنة، أجلسُوا على الأرائكِ ينظرون إلى الكفَّار كيف يعذبون
٢٢٤
في النار، ويرفعون أصواتهم بالويل والثبور، ويلعن بعضهم بعضاً.
ومنها : قال أبو صالح : يقال لأهل النار - وهم فيها - اخرجوا، ويتحُ، لهم أبوابها، فإذا رأوها وقد فتحت أبوابها، فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم، فذلك سبب الضحاك.
قوله :﴿عَلَى الأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ﴾ : الجار متعلقٌ بـ " ينظرون "، و " ينظرون " : حال من " يضحكون "، أي : يضحكون ناظرين إليهم، وإلى ما هم فيه من الهوان.
قوله :﴿هَلْ ثُوِّبَ﴾.
يجوز أن تكون الجملة الاستفهامية معلقة للنظر قبلها، فتكون في محل نصب بعد إسقاط الخافض بـ " ينظرون ".
وقيل : استئناف لا موضع له، ويجوز أن يكون على إضمار اقول : أي : يقولون : هل ثوب، ومعنى " ثُوِّب " أي : جُوزيَ، يقال : ثوَّبهُ وأثابهُ.
قال :[الطويل] ٥١٣١ - سَأجزِيكَ أو يَجْزيكَ عنِّي مُثوِّبٌ
وحَسْبُكَ أنْ يُثْنَى عَليْكَ وتُحْمَدَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢١٧
ويدغم أبو عمرو والكسائي وحمزة : لام " هل " في الثناء.
قوله :" ما كانوا " فيه حذف، أي : ثواب ما كانوا، أو موصول اسمي أو حرفي.
قال المبرد :" ثوب " فعل من الثواب، وهو ما ثوب، يرجع على فاعله جزاء ما علمه من خير، أو شر، والثَّوابُ : يستعمل في المكافأة بالشَّر.
وأنشد أبو عبيدة :[الوافر] ٥١٣٢ - ألاَ أَبْلِغْ أبَا حَسنٍ رَسُولاً
فمَا لَكَ لا يَجِيءُ إلَى الثَّوابِ
وثوَّب وأثاب بمعنى واحد، والأولى أن يحمل على سبيل التَّهكُّم، كقوله :﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدخان : ٤٩]، كأنه - تعالى - يقول للمؤمنين : هل جازينا هؤلاء الكفار على استهزائهم بطريقتكم كما جازيناكم على أعمالكم الصالحة، فيكون هذا القول زائداً في سرورهم والله أعلم.
" روى الثعلبي عن أبيّ بن كعبٍ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأَ سُورَة " المطففين " سقاهُ اللهُ من الرَّحيقِ المختُومِ يَوْمَ القِيَامَةِ ".
٢٢٥
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢١٧