سورة الانشقاق
مكية، وهي ثلاث وعشرون آية، ومائة وسبع كلمات، وأربعمائةوثلاثون حرفا.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٢٥
قوله تعالى :﴿إِذَا السَّمَآءُ انشَقَّتْ﴾ كقوله تعالى :﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾ [التكوير : ١] في إضمار الفعل وعدمه، وفي " إذا " هذه احتمالات : أحدها : أن تكون شرطية.
والثاني : أن تكون غير شرطية.
فعلى الأول في جوابها خمسة أوجه : أحدها : أنها ﴿َأَذِنَتْ﴾ [الانشقاق : ٢، ٥] والواو مزيدة.
قال ابن الأنباري : وهذا غلط ؛ لأن العرب لا تقتحم الواو إلا مع " حتى إذا " كقوله تعالى :﴿حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ [الزمر : ٧٣]، أو مع " لمَّا " كقوله تعالى :﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ﴾ [الصافات : ١٠٣، ١٠٤]، أي : ناديناه، والواو لا تقحم مع غير هذين.
الثاني : أنه " فمُلاقيهِ " أي فأنت ملاقيه وإليه ذهب الأخفش.
والثالث : أنّه " يا أيُّها الإنسانُ " أيضاً، ولكن على حذف الفاء.
والرابع : أنه "يا أيها الإنسان"أيضا، ولكن على إضمار القول : أي : يقال :" يا أيُّهَا الإنسَانُ ".
والخامس : أنَّه مقدَّرٌ، تقديره : بعثتم.
وقيل : تقديره : لاقى كل إنسان كدحه وهو قوله :" فمُلاقِيهِ " ويكون قوله :" يا أيُّهَا الإنسَانُ " معترض، كقولك : إذا كان كذا وكذا - يا أيها الإنسان - ترى عند ذلك ما علمت من خير أو شر.
٢٢٦
ونقل القرطبي عن المبردِ، إنَّه قال : فيه تقديمٌ وتأخير، أي : يا أيُّها الإنسان إنَّك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت.
وقيل : هو ما صرَّح به في سورتي " التَّكوير " و " الانفطار "، وهو قوله تعالى :﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ﴾ [الانفطار : ٥]، قاله الزمخشري، وهو حسنٌ.
ونقل ابن الخطيب عن الكسائيِّ، أنه قال : إنَّ الجواب هو قوله :﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ [الانشقاق : ٧]، واعترض في الكلام على قوله :﴿ يا أيها الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً﴾ [الانشقاق : ٦].
قال النحاسُ : وهذا أصحُّ ما قيل فيه وأحسنه.
وعلى الاحتمال الثاني : فيه وجهان : أحدهما : أنَّها منصوبة مفعولاً بها بإضمار " واذْكُرْ ".
والثاني : أنها مبتدأ، وخبرها " إذَا " الثانية، و " الواو " مزيدة، تقديره : وقت انشقاق السماء وقت مدّ الأرض، أي : يقع الأمران في وقت.
قاله الأخفش أيضاً.
والعامل فيها إذا كانت ظرفاً - عند الجمهور - جوابها، إمَّا الملفوظ به، وإمَّا المقدَّر.
وقال مكيٌّ : وقيل : العامل " انشقت ".
وقال ابن عطية : قال بعض النحاة : العامل " انشقت " وأبي ذلك كثير من أئمتهم ؛ لأن " إذا " مضافة إلى " انشقت "، ومن يجيز ذلك تضعف عنده الإضافة، ويقوى معنى الجزاء.
وقرأ العامة :" انشقتْ " بتاء التأنيث ساكنة، وكذلك ما بعده.
وقرأ أبو عمرو في رواية عبيد بن عقيل : بإشمام الكسر في الوقف خاصة، وفي الوصل خاصة بالسكون المحض.
قال أبو الفضلِ : وهذا من التغييرات التي تلحق الروي في القوافي، وفي هذا
٢٢٧
الإشمام بيان أن هذه " التاء " من علامة تأنيث الفعل للإناث، وليست مما ينقلب في الأسماء، فصار ذلك فارقاً بين الاسم والفعل، فيمن وقف على باقي الأسماء بالتاء، وذلك لغة طيّئ، وقد حمل في المصاحف بعض التاءات على ذلك.
وقال ابن عطية : قال بعض النحاة : وقرأ أبو عمرو " انشقت " يقف على القاف، كأنه يشمها شيئا من الجر، وكذلك في أخواتها.
قال أبو حاتم : سمعت أعرابياً فصيحاً في بلاد قيس يكسر هذه التاءات.
وقال ابن خالويه :" انشقَّت " - بكسر التاء - عبيد عن أبي عمرو.
قال شهاب الدين : كأنه يريد إشمام الكسر، وأنَّه في الوقف دون الوصل ؛ لأنه مطلق، وغيره مقيد، والمقيد يقضي على المطلق.
وقال أبو حيَّان : وذلك أن الفواصل تَجْرِي مجْرَى القوافي، فكما أن هذه التاء تكسر في القوافي تكسر في الفواصل ؛ ومثال كسرها في القوافي ؛ قول كثير عزّة :[الطويل] ٥١٣٣ - ومَا أنَا بالدَّاعِي لعَزَّةَ بالرَّدَى
وَلا شَامتٍ إنْ نَعْلُ عَزَّةَ زَلَّتِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٢٦