وقيل : لـ " ربك " في قوله :﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾، قاله مكيٌّ.
وقيل : لا يجوز أن يكون نعتاً للعرش ؛ لأنه من صفات الله تعالى.
وقرأ الباقون : بالرفع، على أنه خبر بعد خبر.
وقيل : هو نعت لـ " ذو "، واستدلَّ بعضهم على تعدد الخبر بهذه الآية، ومن منع قال : لأنها في معنى واحد، أي : جامع بين ههذ الأوصاف الشريفة، أو كل منها خبر لمبتدأ مضمر.
والمجيد : هو النهاية في الكرم والفضل، والله - تبارك وتعالى - هو المنعوت بذلك، وإن كان قد وصف عرشه بالكريم في آخر المؤمنين.
ومعنى " ذو العرش " أي : ذو الملك والسلطان، كما يقال : فلان على سرير ملكه وإن لم يكن على سرير، ويقال : بلي عرشه، أي : ذهب سلطانه.
قوله :﴿فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ أي : لا يمتنع عليه شيء يريده.
قال الزمخشريُّ :" فعالٌ " خبر مبتدأ محذوف، وإنما قيل :" فعال " ؛ لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة.
وقال الفراء : هو رفع على التكرير والاستئناف ؛ لأنه نكرة محضة على وجه الإتباع لإعراب الغفور الودود.
وعن أبي السفر قال : دخل ناس من أصحاب النبي ﷺ على بكر - رضي الله عنه - يعودونه، فقالوا : ألا نأتيك بطبيبٍ ؟ قال رضي الله عنه : قد رأنِي، قالوا : فَمَا قَال لَك ؟ قال : قال : إنِّي فعَّالٌ لما أريدُ.
فصل في أن الآية دلت على خلق الأفعال دلَّت هذه الآية على خلق الأفعال ؛ لأنه تعالى يريد الإيمان، فوجب أن يكون فاعلاً للإيمان، وإذا كان فاعلاً للكفر ضرورة ؛ لأنه لا قائل بالفرق.
فصل في تفسر الآية قال القفال :" فعَّالٌ لما يُرِيدُ " أي : يفعل ما يريد على ما يراه، لا يعترض عليه ولا يغلبه غالب، فيدخل أولياءه الجنة، لا يمنعه مانع، ويدخل أعداءه النار، لا ينصرهم
٢٥٥
منه ناصر، ويمهمل العصاة على ما يشاء إلى أن يجازيهم، ويعاجل بعضهم بالعقوبة إذا شاء، فهو يفعل ما يريد.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٥٣
قوله :﴿هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ﴾، أي : قد أتاك يا محمد خب الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم [تَسْلِيَةً له بذلك].
قوله تعالى :﴿فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ﴾.
يجوز أن يكون بدلاً من الجنود، وحينئذ فكان ينبغي أن يأتي البدل مطابقاً للمبدل منه في الجمعية.
فقيل : هو على حذف مضاف، أي : جنود فرعون.
وقيل : المراد فرعون وقومه، واستغني بذكره عن ذكرهم ؛ لأنهم أتباعه.
ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار : اعني ؛ لأنه لمت لم يطابق ما قبله وجب قطعه.
والمعنى : أنك قد عرفت ما فعل بهم حين كذبوا بأنبيائهم ورسلهم.
قوله :﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ﴾، أي : هؤلاء الذين لا يؤمنون بك في تكذيب لك كدأب من قبلهم، وإنما خُصَّ فرعون وثمود ؛ لأن ثموداً في بلاد العرب، وقصتهم عندهم مشهورة، وإن كانوا من المتقدِّمين، وأمر فرعون كان مشهوراً عند أهل الكتاب وغيره، وكان من المتأخرين في الهلاك فدلَّ بهما على أمثالهما، والله أعلم.
قوله :﴿وَاللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ﴾، أي : يقدر على أن ينزل بهم ما أنزل بفرعون، والمحاط به المحصور.
وقيل : والله أعلم بهم فيجازيهم.
قوله :﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ﴾ العامة : على تبعية مجيد لـ " قرآن "، وقرأ ابن السميفع بإضافة " قرآن " لـ " مجيد ".
فقيل : هو على حذف مضاف، أي : قرآن رب مجيد.
كقوله :[الوافر]
٥١٥٨ - ولَكِنَّ الغِنَى ربّ غَفُور
أي : غنى رب غفور.
٢٥٦
وقيل : بل هو من إضافة الموصوف إلى صفته، فتتحد القراءتان، ولكن البصريين لا يجيزون هذا لئلا يلزم إضافة الشيء إلى نفسه، ويتأولون ما ورد.
ومعنى " مَجِيدٌ " أي : متناهٍ في الشرف والكرم والبركة.
وقيل :" مَجِيدٌ " أي : غير مخلوق.
قوله :﴿فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾، قرأ نافع : رفع " محفوظ " : نعتاً لـ " قرآن ".
والباقون : بالجر ؛ نعتاً للوح.
والعامة : على فتح اللام، وقرأ ابن السميفع وابن يعمر : بضمها.
قال الزمخشري : يعني اللوح فوق السماء السابعة الذي فيه اللوح، " محفوظ " من وصول الشياطين إليه.
وقال أبو الفضل :" اللّوح " : الهواء، وتفسير الزمخشري بالمعنى، وهو الذي أراده ابن خالويه.
قال القرطبي :" فِي لوحٍ محفُوظٍ " أي : مكتوب في ولح، وهو محفوظ عند الله - تعالى - من وصول الشياطين إليه.
وقيل : هو أم الكتاب، ومنه انتسخ القرآن والكتب.
وقال بعض المفسرين :" اللوح " شيء يلوح للملائكة فيقرءونه.
وفي " الصِّحاح " : لاح الشيء يلوح لوحاً ولواحاً : عطش، وكل عظم عريض، واللوح : الذي يكتب فيه، واللُّوح : بالضم، الهواء بين السماء والأرض.
وأنشد دريد :[الرجز]
٥١٥٩ - عقابُ لُوحِ الجَوِّ أعْلَى مَتْنَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٥٦
قال ابن الخطيب : قال - هاهنا - :" فِي لَوْحٍ مَحفُوظٍ "، وقال في آية أخرى :﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾ [الواقعة : ٧٧، ٧٨] فيحتمل أن يكون الكتاب المكنون، هو اللوح المحفوظ، ثم كونه محفوظاً يحتمل أن يكون محفوظاً عن اطلاع الخلق عليه سوى الملائكة
٢٥٧
المقربين، ويحتمل أن يكون المراد : ألاَّ يتغيَّر ولا يتبدل.
والله أعلم.
" روى الثعلبي عن أبيٍّ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ﷺ :" مَنْ قَرَأ سُورةَ ﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ أعْطَاهُ اللهُ تعَالَى بعددِ كُلِّ يوم جُمعةٍ، وكُلُّ يَوْم عَرفة، يكُونُ في دَارِ الدُّنْيَا عَشْرَ حسَناتٍ ".
٢٥٨
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٥٦


الصفحة التالية
Icon