خبر مقدم، و " حافظ " : مبتدأ مؤخر، والجملة خبر " كل "، و " ما " : مزيدة بعد اللام الفارقة، ويجوز أن يكون " عليها " : هو الخبر وحده، و " حافظ " : فاعل به، وهو أحسن، ويجوز أن يكون " كل " : مبتدأ، و " حافظ " : خبره، و " عليها " متعلق به، و " ما " : مزيدة أيضاً، هذا كله تفريع على قول البصريين.
وقال الكوفيون :" إنْ " هنا : نافية، واللام بمعنى " إلاّ " إيجاباً بعد النفي، و " ما " : مزيدة وتقدم الكلام في هذا مستوفى.
قال الفارسي : ويستعمل " لما " بمعنى :" إلاَّ " في موضعين : أحدهما : هذا، والآخر : في باب القسم، تقول : سألتك لما فعلت.
ورُوِيَ عن الكسائيِّ والخفش وأبو عبيدة أنهم قالوا : لم نجد " لما " بمعنى :" إلا " في كلام العرب.
وأما قراءة التشديد : فـ " إن " نافية، و " لمَّا " بمعنى :" إلا " وتقدمت شواهد ذلك في سورة " هود ".
وحكى هارون : أنه قرئ " إنَّ " بالتشديد، " كُلَّ " بالنصب على أنه اسمها، واللام : هي الدالخة في الخبر، و " ما " : مزيدة، و " حافظ " : خبرها.
وعلى كل تقدير فـ " إن " وما في خبرها : جواب القسم سواء جعلها مخففة أو نافية.
وقيل : الجواب :﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ﴾ [الطارق : ٨] وما بينهما اعتراض ؛ وفيه بعد.
فصل في المراد بالحافظ قال قتادةُ :" حافظ " أي : حفظة يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك، قال تعالى :﴿وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾ [الأنعام : ٦١]، وقال تعالى :﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ﴾ [الانفطار : ١٠، ١١]، وقال تعالى :﴿لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ [الرعد : ١١].
وقيل : الحافظ : هو الله تعالى.
٢٦١
وقيل : الحافظ : هو العقل يرشد الإنسان إلى مصالحه، ويكفّه عن مضارِّه.
قال القرطبي : العقل وغير وسائط، والحافظ في الحقيقة هو الله تعالى، قال الله تعالى :﴿فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً﴾ [يوسف : ٦٤]، وقال تعالى :﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَـانِ﴾ [الأنبياء : ٤٢] وما كان مثله.
قال ابن الخطيب : المعنى : لما كانت كل نفس عليها حافظ، وجب أن يجتهد كل واحد، ويشتغل بالمهم، وأهم الأشياء معرفة المبدأ والمعاد والمبدأ يقدم.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٥٩
قوله :﴿فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ﴾، أي : ابن آدم، " مَمَّ خُلِقَ "، وجه الاتصال بما قبله وصية الإنسان بالنظر في أول أمره حتى يعلم أنَّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فليعمل ليوم الإعادة والحشر والجزاء، ولا يملي على الحافظ إلا ما يسرُّه في عاقبه أمره.
وقوله تعالى :﴿مِمَّ خُلِقَ﴾، استفهام، أي : من أيِّ شيء خلق، وهو جواب الاستفهام.
قوله :﴿مِن مَّآءٍ دَافِقٍ﴾.
فاعل بمعنى مفعول [كعكسه في قولهم : سيل مفعم]، كقوله تعالى :﴿حِجَاباً مَّسْتُوراً﴾ [الإسراء : ٤٥] على وجه.
وقيل :" دافِق " على النسب، أي : ذو دفق أو اندفاقٍ.
وقال ابنُ عطية : يصح أن يكون الماء دافقاً ؛ لأنه بعضه يدفق بعضاً، أي : يدفقه، فمنه دافق، ومنه مدفوق انتهى.
والدَّفقُ : الصَّبُّ، ففعله متعدٍّ.
وقرأ زيد بن علي :" مَدْفُوقٍ " وكأنَّه فسر المعنى.
قال القرطبيُّ : الصبُّ : دفقُ الماء، دفقت الماء، أدفقتُه دفقاً، أي : صببته فهو ماء دافق، أي : مدفوق، كما قالوا : سرٌّ كاتم، أي : مكتوم ؛ لأنه من قولك : دُفق الماء على ما لم يسم فاعله، ولا يقال : دَفق الماء، ويقال : دفق الله روحه : إذا دعى عليه بالموت.
قال الفرَّاء والأخفش :" ماءٍ دافقٍ " : أي مصبوب في الرَّحمِ.
وقال الزجاج :" مِن ماءٍ ذي انْدفاقٍ "، يقال : دَارع، وفَارِس، ونَابِل، أي ذو فَرسٍ ودِرعٍ ونَبلٍ، وهذا مذهب سيبويه.
والدَّافق : هو المندفق بشدة قوته، وأراد ماءين : ماء الرجل وماء المرأة ؛ لأن الإنسان مخلوق منهما، لكن جعلهما ماءً واحداً لامتزاجهما.
٢٦٢
وقال ابن عباس :" دافق " لزج.
قوله :﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآئِبِ﴾، أي : هذا الماء من بين الصلب، أي : الظَّهر وقرأ العامة :" يَخْرجُ " مبنياً للفاعل، وابنُ أبي عبلة وابن مقسم : مبنياً للمفعول.
وقرأ - أيضاً - : وأهل " مكة " :" الصُّلُبِ " بضم الصاد واللام.
وقرأ اليماني : بفتحها ؛ ومنه قول العجَّاج :[الرجز]
٥١٦٣ - فشي صَلبٍ مِثلِ العِنانِ المُؤدَمِ
[وفيه أربع لغات :" صُلْب، وصُلُبٌ، وصَلَبٌ، وصَالب، ومنه قوله] :[المنسرح] ٥١٦٤ - تُنْقَلُ من صَالَبٍ إلى رحِمٍ
.............................
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٦٢
والترائب : جميع تريبة، وهي موضع القلادة من عظام الصَّدر ؛ لأن الولدَ مخلوق من مائهما ؛ فماء الرجل في صلبه، وماء المرأة في ترائبها، وهو معنى قوله تعالى :﴿مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾ [الإنسان : ٢] ؛ وقال امرؤ القيس :[الطويل] ٥١٦٥ - مُهْفَهَفةٌ بَيْضاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ
تَرَائِبُها مَصْقُولةٌ كالسَّجَنْجَلِ


الصفحة التالية
Icon