أي : أعرفك وتعرفني.
وقيل :﴿تُبْلَى السَّرَآئِر﴾ تخرج من مخبآتها وتظهر، وهو كل ما استسرّه الإنسان من خير، أو شر، وأضمره من إيمان، أو كفر.
قال ابن الخطيب : والسرائرُ : ما أسر ف القلوب، والمراد هنا : عرض الأعمال، ونشر الصحف، أو المعنى : اختبارها، وتمييز الحسن منها من القبيح لترتيب الثواب والعقاب.
وقال رسول الله ﷺ :" ائْتَمَنَ اللهُ - تعَالَى - خَلقهُ على أرْبَع : الصَّلاةِ، والزَّكاةِ والصِّيام، والغُسْلِ، وهُنَّ السَّرائِرُ الَّتي يَختبِرُهَا اللهُ - عزَّ وجلَّ - يَوْمَ القِيَامَةِ " ذكره المهدوي.
" وروى الماورديُّ عن زيدٍ بن أسلم، قال : قال رسول الله ﷺ : الأمَانَةُ ثلاثٌ :
٣٦٦
الصَّلاةُ، والصَّومُ، والجنَابةُ، اسْتأمَنَ اللهُ - تعالى - ابْنَ آدمَ على الصَّلاةِ، فإن شاء قال : صلَّيْتُ، ولمْ يُصَلِّ، واسْتأمنَ اللهُ تعالى ابْنَ آدَم على الصَّوم، فإنْ شَاءَ قَالَ :[صُمْتُ ولَمْ يَصُمْ واسْتَأمتَ اللهُ تعالى ابْن آدمَ على الجَنابةِ فإنْ شَاءَ قَال :] اغْتسَلت ولمْ يَغْتسِلْ، اقْرَأوا إن شِئْتُم :﴿يَوْمَ تُبْلَى السَّرَآئِر﴾ ".
[وقال مالك - رضي الله عنه - : الوضوء من السرائر، والسرائر ما في القلوب يجزي الله به العباد].
وقال ابن العربيِّ : قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : يغفر للشهيد إلاَّ الأمانة، والوضوء من الأمانة، والصلاة والزكاة من الأمانة، والوديعة من المانة، وأشد ذلك الوديعة، تمثل له على هيئتها يوم أخذها، فيرمى بها في قعر جهنم، فيقال له : أخرجها، فيتبعها، فيجعلها في عنقه، وإذا أراد ان يخرج بها زلت، فيتبعها، فيجعلها في عنقه، فهوكذلك دهر الداهرين.
وقال أبي بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت من الأمانة، إن قالت : لم أحضْ وأنا حامل صدقت ما لم يأت ما يعرف فيه أنها كاذبة.
قوله :﴿فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾، أي : فما الإنسان من قوَّة، أي : منعةٍ تمنعه، ولا ناصرٍ ينصره عن ما نزل به.
قال ابن الخطيب : ويمكن أن يتمسك بهذه الآية على نفي الشفاعة، لقوله تعالى :﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً﴾ [البقرة : ٤٨] الآية.
والجواب ما تقدم.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٦٢
قوله :﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾.
قيل : الرَّجْعُ : مصدر، بمعنى رجوع الشمس والقمر إليها، والنجوم تطلع من ناحيته، وتغيب في أخرى.
٢٦٧
وقيل : الرَّجْعُ : المطر ؛ قال : المتنخِّل، يصف سيفاً يشبههُ بالماء :[السريع] ٥١٧٠ - أبْيَضُ كالرَّجْعِ رَسُوبٌ إذَا
ما ثَاخَ في مُحْتفلٍ يَخْتَلِي
وقال :[البسيط] ٥١٧١ - رَبَّاهُ شَمَّاءُ لا يَأوِي لقُلَّتِهَا
إلاَّ السَّحَابُ وإلاَّ الأوبُ والسَّبلُ
وقال الخليل : المطر نفسه، وهذا قول الزجاج.
قال ابن الخطيب : واعلم أن كلام الزجاج، وسائر علماء اللغة " صريح " في أن الرجع ليس اسماً موضوعاً للمطر، بل سمي رجعاً مجازاً، وحسن هذا المجاز وجوه : أحدها : قال الفقال : كأنه من ترجيع الصوت وهو إعادته، ووصل الحروف به، وكذا المطر، لكونه يعود مرة بعد أخرى سمِّي رجعاً.
وثانيها : أن العرب كانوا يزعمون أنَّ السَّحاب يجمل الناء من بحار الأرض، ثم يرجعه إلى الأرض.
والرجع - أيضاً - نبات الربيع.
وقيل :" ذَاتِ الرَّجْعِ " أي : ذات النفع.
وقيل : ذات الملائكة، لرجوعهم فيها بأعمال العباد، وهذا قسم.
﴿وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ قسمٌ آخر، أي : تتصدع عن النبات، والشجر، والثمار، والنهار، نظيره :﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقّاً﴾ [عبس : ٢٦].
والصَّدعُ : بمعنى الشق ؛ لأنه يصدع الأرض، فتصدع به، وكأنَّه قال : والأرض ذات النبات الصادع للأرض.
وقال مجاهد : الأرض ذات الطريق التي تصدعها المشاة.
وقيل : ذات الحرث لأنه يصدعها.
وقيل : ذات الأموات لانصداعها للنشور.
وقيل : هما الجبلان شق وطريق نافذ لقوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً﴾ [الأنبياء : ٣١].
٢٦٨


الصفحة التالية
Icon