مِن السَّيْلِ والأغْثَاءِ فلكةُ مِغْزَلِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٧٢
ورواه الفراء :" والأغثاء " على الجمع، وفيه غرابة من حيث جمع " فعالاً " على " أفعال ".
قوله تعالى :﴿أَحْوَى ﴾.
فيه وجهان : أظهرهما : أنه نعت لـ " غثاء ".
والثاني : أنه حال من المرعى.
قال أبو البقاء :" فقدَّك بعض الصلة "، يعني : ان الأصل أخرج المرعى أحوى، فجعله غثاء.
قال شهابُ الدِّين : ولا يسمى هذا تقديماً لبعض الصلة.
والأحْوَى :" أفعل " من الحُوَّة، وهي سوادٌ يضرب إلى الخُضْرَة ؛ قال ذو الرُّمَّة :[البسيط] ٥١٧٨ - لمْيَاءُ فِي شَفتيْهَا حُوَّةٌ لَعَسٌ
وفِي اللِّثاتِ وفي أنْيَابِهَا شَنَبُ
وقد استدلَّ بعض النحاة على وجود بدل الغلط بهذا البيت.
وقيل : خضرة عليها سواد، والأحْوَى " الظبي ؛ لأن في ظهره خطَّين ؛ قال :[الطويل] ٥١٧٩ - وفِي الحيِّ أحْوَى يَنفضُ المَرْدَ شَادِنٌ
مُظَاهِرُ سِكْطَيْ لُؤلؤٍ وزَبَرْجَدِ
ويقال : رجل أحْوَى، وامرأة
٢٧٧
حوَّاُ، وجمعهما " حُوٌّ " نحو : أحْمَر وحَمْراء وحُمْر، قال القرطبيُّك " وفي الصِّحاح " :" والحُوَّةُ : حمرة الشفة، يقال : رجل أحْوَى وامرأة حوَّاء وقد حويتُ، وبعير أحْوَى : إذا خالط خضرته سواد وصُفْرَة، قال : وتصغير أحْوَى : أحَيْوٍ في لغة من قال : أسَيْود ".
قال عبد الرحمن بن زيدٍ : هذا مثلٌ ضربه الله تعالى للكُفَّار لذهاب الدنيا بعد نضارتها، والمعنى : أنه صار كذلك بعد خضرته.
وقال أبو عبيدة : فجعله أيود من احتراقه وقدمه، والرطب إذا يبس اسود.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٢٧٢
قوله " ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى ﴾، قال الواحدي :" سَنُقْرِئُكَ " : أي : سنجعلك قارئاً، أي : نؤهلك للقراءة فلا تنسى ما تقرأه، أي : نجعلك قارئاً للقرآن فتحفظه، فهو نفي، أخبر الله - تعالى - أن نبيه ﷺ لا ينسى.
وقيل : نهي والألف للإشباع [وقد تقدم نحو من هذا في سورة يوسف وطه].
ومنع مكيٌّ أن يكون نهياً ؛ لأنه لا ينهى عما ليس باختياره، وهذا غير لازم، إذ المعنى : النهي عن تعاطي أسباب النسيان، وهو الشائع : وقيل : هذا بشري من الله تعالى، بشره تعالى بأن جبريل - عليه الصلاة والسلام - لا يفرغ من آخر الوحي، حين يتكلم هو بأوله لمخافة النسيان، فنزلت هذه الآية ؛ فلا تنسى بعد ذلك شيئاً.
قوله :﴿إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّه﴾ فيه أوجه : أحدها : أنه مفرَّغ، أي : إلا ما شاء الله أن ينسيكه، فإن تنساه، والمراد رفع تلاوته، وفي الحديث :" أنَّهُ كَانَ يُصبحُ فِيَنْسَى الآيَاتِ "، لقوله تعالى :﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا﴾ [البقرة : ١٠٦].
وقيل : إن المعنى بذلك النُّدْرة والقلَّة.
قال ابن الخطيب : يشترط أن لا يكون ذلك القليل من الواجبات بل من الآداب والسنن، فإنَّه لو نسي من الواجبات، فلم يتذكره أدى ذلك إلى الخلل في الشرع، وهو غير جائز، كما ورد أنه ﷺ أسقط في صلاته، فحسب أبيٌّ أنها نُسختْ، فسأله، فقال ﷺ : نَسِيتُها.
وقال الزمخشريُّ : والغرض نفي النسيان رأساً، كما يقول الرجل لصاحبه : أنت
٢٧٨