سهيمي فيما أملك إلا ما شاء الله، ولم يقصد أستثني شيئاً، وهواستعمال القلة في معنى النفي " انتهى.
وهذا القول سبقه إليه الفراء ومكي.
قال الفراء، وجماعة معه : هذا الاستثناء صلة في الكلام على سنة الله تعالى، وليس شيء أبيح استثناؤه.
قال أبو حيان :" وهذا لا ينبغي أن يكون في كلام الله تعالى، ولا في كلام فصيح، وكذلك القول بأن " لا " للنفي، والألف فاصلة " انتهى.
وهذا الذي قاله أبو حيان : لم يقصده القائل بكونه زائداً محضاً، بل المعنى الذي ذكره، وهو المبالغة في نفي النسيان، أو النهي عنه.
وقال مكيٌّ :" وقيل : معنى ذلك إلا ما شاء الله، وليس يشاء الله أن تنسى منه شيئاً، فهو بمنزلة قوله تعالى، في سورة " هود " في الموضعين :﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ﴾ [هود : ١٠٧، ١٠٨] وليس يشاء جلَّ ذكره ترك شيء من الخلود، لتقدم مشيئته لهم بالخلود ".
وروي عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات صلى الله عليه وسلم.
وقيل : هو استثناء من قوله تعالى :﴿فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَى ﴾ [الأعلى : ٥].
نقله مكي.
والمعنى : ما شاء الله أن يناله بنو آدم، والبهائم، فإنه لا يضير ذلك.
قال شهابُ الدين : وهذا ينبغي ألاَّ يجوز ألبتَّة.
قال القرطبيُّ :" قيل : إلا ما شاء الله أن ينسى، ثم يذكر بعد ذلك، فإذا قد ينسى، ولكنه يتذكر ولا ينسى نسياناً كلياً ".
[وقيل هذا النسيان بمعنى النسخ إلا ما شاء الله ينسخه، والاستثناء نوع من النسخ.
وقيل : النسيان بمعنى الترك أي : يعصمك من أن تترك العمل إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه إياه، فهذا في نسخ العمل، والأول في نسخ القراءة، ولا للنفي لا للنهي وقيل للنهي، وإنما أثبتت الياء لرؤوس الآي، والمعنى : لا تغفل قراءته وتكراره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة، والأوَّل هوالمختار ؛ لأن الاستثناء من النهي لا يكاد يكون إلا مؤقتاً معلوماً.
وأيضاً فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف وعليها القراءات.
وقيل : معناه : إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله].
٢٧٩
فصل في كيفية تعليم القرآن ذكر في كيفية هذا التعليم والإقراء وجوهاً : الأول : أن جبريل - عليه الصلاة والسلام - سيقرأ عليك القرآن مراتٍ، حتى تحفظه حفظاً لا تنساه.
وثانيها : أنَّا نشرحُ صدرك ونقوي خاطرك حتى تحفظه بالمرة الواحدة حفظاً لا تنساه.
وثالثها : أنه تعالى لما أمره ﷺ في أول السورة بالتسبيح، فكأنه تعالى قال : واظب على ذلك، ودُمْ عليه، فإنَّا سنقرئك القرآن الجامع لعلوم الأوَّلين، والآخرين، ويكون فيه ذكرك، وذكر قومك، وتجمعه في قلبك.
﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾ وهوالعمل به.
فصل في الدلالة على المعجزة هذه الآية تدل على المعجزة من وجهين : الأول : أنه ﷺ كان رَجُلاً أميًّا، فحفظه هذا الكتاب المطول من غير دراسة، ولا تكرار، ولا كتابة، خارقة للعادة.
والثاني : أنه إخبار عن الوقوع في المستقبل، وقد وقع، فكان هذا إخباراً عن الغيب فيكون معجزاً.
فصل في المراد بالآية قال بعضهم : المراد بقوله تعالى :﴿إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ﴾ أمور : أولها : التبرك بهذه الكلمة لقوله تعالى :﴿وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذالِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ [الكهف : ٢٣، ٢٤]، فكأنه تعالى يقول : إني عالم بجميع المعلومات، ثم بعواقب الأمور علىالتفصيل، ومع ذلك لا أخبر عن وقوع شيء في المستقبل إلا مع هذه الكلمة، فأنت وأمتك يا محمد أولى بها، وهذا بناء على أن الاستثناء غير حاصل في الحقيقة، وأنه ﷺ لم ينس ذلك شيئاً، كما قاله ابن عبَّاس والكلبي وغيرهما.
وثانيها : قال الفراء : إنه تعالى ما شاء أن ينسى محمداً ﷺ شيئاً إلا أنَّ المقصود من ذكر هذا الاستثناء بيان أنه تعالى لو أراد أن يصير ناسياً كذلك لقدر عليه، كقوله تعالى :﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الإسراء : ٨٦]، ثم إنا نقطع أنه تعالى ما شاء ذلك، ونظيره قوله تعالى :﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر : ٦] مع أنه ﷺ ما أشرك ألبتَّة ففائدة هذا الاستثناء أن الله تعالى، بعرفه قدرته، حتى يعلم أنَّ عدم النِّسيان من فضل الله، وإحسانه، لا من قوته.
٢٨٠