وقيل : هي العيون التي تنفجر منها المياه.
قوله :﴿وَلَيالٍ عَشْرٍ﴾.
العامة : على " ليالٍ " بالتنوين، " عشر " صفة لها.
وقرأ ابنُ عباسٍ :" وليالٍ عشرٍ " بالإضافة.
فبعضهم قال :" ليال " في هذه القراءة دون ياء، وبعضهم قال :" وليالي عشر " بالياء، وهو القياس.
وقيل : المراد : ليالي أيام عشر، وكان من حقه على هذا أن يقال : عشرة ؛ لأن المعدود مذكر.
ويجاب عنه : بأنه إذا حذف المعدود جاز الوجهان، ومنه :" وأتْبعَهُ بِستٍّ مِنْ شوَّالٍ ".
وسمع الكسائي : صمنا من الشهر خمساً.

فصل في المراد بالعشر قال ابنُ عبَّاسٍ ومجاهدٌ والسديُّ والكلبيُّ : هو عشر ذي الحجة.


وقال مسروقٌ : هي العشرة المذكورة في قوله - تعالى - في قصة موسى - عليه الصلاة والسلام :﴿وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾ [الأعراف : ١٤٢]، وهي أفضل أيام السنةِ، قال رسول الله صلىالله عليه وسلم :" مَا مِنْ أيَّام العَملِ الصَّالحُ فِيهِنَّ أحَبُّ إلى الله - تعَالَى - مِنْ عَشْرِ ذِي الحجَّةِ " ؛ ولأن ليلة النَّحرِ داخلة فيه رخّصه الله تعالى موفقاً لمن يدرك الموقف يوم عرفة.
وعن ابن عبَّاسٍ أيضاً : هي العشرُ الأواخر من رمضان.
وقال الضحاكُ : أقسم الله - تعالى - بها لشرفها بليلة القدرِ، وكان ﷺ إذا دخل
٣١٠
العشر الأواخر من رمضان، شد المئزر، وأيقظ أهله للتهجد.
وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما - ويمان والطبريُّ : هو العشر الأول من المحرم ؛ لأن آخرها يوم عاشوراء، ولصومه فضل عظيم.
قوله :﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾.
قرأ الأخوان : بكسر الواو من :" الوِتْرِ ".
والباقون : بفتحها، وهما لغتان، كالحَبْرِ والحِبْر، والفتح : لغة قريش ومن والاها، والكسر : لغة تميم.
وهاتان اللغتان في :" الوتر "، مقابل " الشفع "، فأما في " الوتر " بمعنى : التِّرة، فبالكسر وحده.
قال الزمخشريُّ : ونقل الأصمعي فيه اللغتين أيضاً.
وقرأ أبو عمرو في رواية يونس عنه : بفتح الواو وكسر التاء، فيحتملُ أن تكون لغة ثالثة، وأن يكون نقل كسرة الراء إلى التاء، إجراءً للوصل مجرى الوقف.
فصل في الشفع والوتر قال ابنُ الخطيب :" الشَّفْعُ والوتْرُ " : هو الذي تسميه العرب، الخساء والركاء، وتسميه العامة : الزَّوج والفَرْدُ.
قال يونس : أهل العالية يقولون :" الوَتْرُ " بالفتح في العدد، و " الوِتْر " بالكسر في الذحلأ، وتميم يقولون : بكسر الواو فيهما، تقول :" أوترت أوتر إيتاراً " أي : جعلته وتراً، ومنه قوله ﷺ :" من اسْتَجْمرَ فليُوتِرْ ".
واختلف في الشفع والوتر، فروى عمران بن حصين - رضي الله عنه - عن النبي ﷺ قال :" الشَّفعُ والوتر : الصَّلاةن مِنْها شَفعٌ، ومِنهَا وتْرٌ ".
" قال جابر بن عبد الله : قال النبي ﷺ :" والفَجْرِ وليَالٍ عَشْرٍ " قال :" هُو الصُّبْحُ وعَشْرُ النَِّحْرِ، والوترُ : يومُ عرفَة، والشَّفعُ : يومُ النَّحْرِ ".
٣١١
وهو قول ابن عباس وعكرمة، واختاره النحاس وقال : حديث ابن الزبير عن جابر، وهو الذي صح عن النبي ﷺ وهو أصح إسناداً من حديث عمران بن حصين، فيوم عرفة : وتر ؛ لأنه تاسعها، ويوم النحر : شفع ؛ لأنه عاشرها.
وعن أبي أيوب، قال : سئل النبي ﷺ عن قوله تعالى :﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾، قال :" الشَّفْعُ : يَومُ عَرفَةَ ويوْمُ النَِّحْرِ، والوترُ : ليْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ ".
وقال مجاهدٌ وابنُ السميفع وابنُ عباسٍ : الشفع : خلقه، قال الله تعالى :﴿وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً﴾ [النبأ : ٨]، والوتْرُ : هو الله عز وجل.
فقيل لمجاهد : أترويه عن أحد ؟ قال : نعم، عن أبي سعيدٍ الخدريِّ عن رسول الله عليه وسلم.
ونحوه قال محمدُ بن سيرين، ومسروق، وأبُو صالحٍ وقتادةُ، قالوا : الشَّفع : الخلقُ، قال تعالى :﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [الذاريات : ٤٩] : الكفر والإيمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلال، والنور والظلمة، والليل والنهار، والحر والبرد، والشمس والقمر، والصيف والشتاء، والسماء والأرض، والإنس والجن، والوَتْر : هو الله تعالى، قال تعالى :﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ [الإخلاص : ١، ٢].
وقال ﷺ :" إنَّ للهِ تِسْعَ وتسْعِينَ اسْماً، واللهُ وترٌ يُحِبُّ الوِتْرِ ".
وعن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - : الشَّفعُ : صلاة الصبح، والوَتْرُ : صلاة المغرب.
وقال الربيعُ بنُ أنس وأبو العالية : هي صلاة المغرب فالشفع منها : الركعتان الأوليان، والوتر : الثالثة.
وقال ابنُ الزبير : الشفع : الحادي عشر، والثاني عشر من أيَّام منى، والوتر : اليوم الثالي، قال تعالى :﴿فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا اا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة : ٢٠٣].
٣١٢


الصفحة التالية
Icon