وزعم قتادةُ : أن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعاً.
قال أبو عبيدة :" ذَاتِ العمادِ " : أي : ذات الطول، يقال : رجل معمد إذا كان طويلاً ونحوه عن ابن عباس، ومجاهد.
وعن قتادة : كانوا عماداً لقومهم، يقال : فلان عميد القوم وعمودهم : أي : سيدهم، وعنه أيضاً : كانوا أهل خيام وأعمدة ينتجعون الغيوث، ويطلبون الكلأ، ثم يرجعون إلى منازلهم.
وقيل : المعنى : ذات الأبنية المرفوعة على العمد، وكانوا ينصبون الأعمدة، فيبنون عليها القصور.
وقال ابن زيد : ذَاتِ العِمادَ " يعني : إحكام البنيان بالعمد.
قال الجوهري :" والعماد : الأبنية الرفيعة، تذكر وتؤنث، والواحدة : عمادة ".
وقال الضحاك :" ذات العماد " أي ذات الشدة والقوة مأخوذة من قوة الأعمدة بدليل قوله تعالى :﴿وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت : ١٥].
فصل في الضمير في " مثلها " والضمير في :" مِثلُهَا " يرجع إلى القبيلة، أي : لم يخلق مثل القبيلة في البلاد قوة وشدة، وعظم أجساد.
وعن الحسن وغيره : وفي حرف عبد الله :" التي لم يخلق مثلهم في البلاد ".
وقيل : يرجع إلى المدينة، والأول أظهر وعليه الأكثر.
فصل قال القرطبيُّ :" رُويَ عن مالك رضي الله عنه أن كتاباً وجد بـ " الاسكندرية " فلم يدر ما فيه، فإذا فيه " أنَا شدَّادُ بنُ عادٍ، الذي رفَعَ العِمَادَ، بنيتها حين لا شَيْبَ ولا مَوْتَ " قال مالك : إن كان لتمرُّ بهم مائة سنة لا يرون فيها جنازة ".
وروي : أنه كان لعاد ابنان : شدَّاد، وشديد، ثم مات شديد، وخلص الأمر لشداد، فملك الدنيا، ودانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنة، فقال : أبني مثلها، فبنى إرم في
٣١٩
بعض صحارى عدن، في ثلاثمائة سنة، وكان عمره تسعمائة سنة، وهي مدينة عظيمة، قصورها من الذهب، والفضة، وأساطينها من الزَّبرجد والياقوت، وفيها أصناف الأشجار والأنهار، ولما تمَّ بناؤها سار إليها بأهل مملكته، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة، بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا.
وعن عبد الله بن قلابة : أنه خرج في طلب إبل له، فوقع عليها، فحمل مما قدر عيله مما هنا، وبلغ خبره معاوية، فاستحضره، فقص عليه، فبعث إلى كعب فسأله، فقال : هي إرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك، أحمر أشقر، قصير، على حاجبه خال، وعلى عقبه خال، يخرج في طلب إبل له، ثم التفت، فأبصر ابن قلابة، وقال : هذا والله ذلك الرجل.
فصل في إجمال القول في الكفار هاهنا ذكر الله - تعالى - هاهنا - قصة ثلاث فرق من الكفار المتقدمين، وهم : عاد، وثمود، وقوم فرعون، على سبيل الإجمال حيث قالوا :" فَصَبَّ عَليْهَم ربُّكَ سوْطَ عذابٍ "، ولم يبين كيفية ذلك العذاب، وبين في سورة :" الحاقَّة "، ما أبهم في هذه السورة، فقال تعالى :﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ [الحاقة : ٥، ٦] إلى قوله :﴿وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ﴾ [الحاقة : ٩].
قوله :﴿وَثَمُودَ﴾.
قرأ العامة يمنع الصرف.
وابنُ وثابٍ : يصرفه، والذي يجوز فيه ما تقدم في :" التي لم يخلق ".
و " جَابُوا " أي : قطعوا، ومنه : فلان يجوب البلاد، أي : يقطعها سيراً ؛ قال :[البسيط] ٥١٩٦ - مَا إنْ رَأيْتُ قَلُوصاً قَبْلَهَا حَملتْ
سِتِّينَ وسْقاً ولا جَابتْ بِهِ بَلدَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣١٥
وجَابَ الشيء يجوبه : أي : قطعه، ومنه سمي جيب القميص ؛ لأنه جيب، أي : قطع.
وقوله :" بالوَادِ " : متعلق إما بـ " جابوا " أي : فيه، وإما بمحذوف على أنه حال من " الصَّخْر "، أو من الفاعلين.
وأثبت في الحالين : ابنُ كثيرٍ وورشٌ بخلاف عن قنبل، فروي عنه إثباتها في
٣٢٠
الحالين، وروي عنه : إثباتها في الوصل خاصة، وحذفها الباقون في الحالين، موافقة لخط المصحف، ومراعاة للفواصل كما تقدم في " يسر ".
فصل في تفسير الآية قال ابنُ عبَّاسٍ : كانوا يجوبون البلادن ويجعلون من الجبال بيوتاً، لقوله - تعالى - :﴿يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً﴾ [الحجر : ٨٢].
وقيل : أول من نحت من الجبال، والصخور والرخام : ثمود، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة، كلها من الحجارة.
وقوله تعالى :﴿بِالْوَادِ﴾ أي : بوادي القرى.
قاله محمد بن إسحاق.
" [وروى أبو الأشهب عن أبي نضرة، قال : أتى رسول الله ﷺ في غزاة " تبوك " على وادي ثمود، وهو على فرس أشقر، فقال :" أسرعوا السير ؛ فإنكم في واد ملعون ".
وقيل : الوادي بين جبال، وكل منفرج بين جبال أو تلال يكون مسلكاً للسيل، ومنفذاً، فهو واد].
قوله :﴿وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ﴾، أي : الجنود والعساكر والجموع.
قاله ابن عباس.
وسمي " ذي الأوتاد " لكثرة مضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا.
وقيل : ذي الأتاد، أي : ذي الملك الثابت.
كقوله :[الرجز]
٥١٩٧ - في ظِلِّ مَلكٍ رَاسخِ الأوْتَادِ


الصفحة التالية
Icon