وقيل : كان يشدّ الناس بالأوتاد إلى أن يموتوا، تجبّراً منه وعتواً، كما فعل بامرأته آسية، وماشطتها.
قال عبدُ الرحمنِ بن زيدٍ : كانت له صخرة ترفع بالبكرات، ثم يؤخذ له الإنسان، فيوتد له أوتاد الحديد، ثم يرسل تلك الصخرة عليه.
وروى قتادةُ عن سعيدِ بنِ جبيرٍ عن ابنِ عباسٍ : أن تلك الأوتاد، كانت ملاعب يلعبون تحتها.
قوله :﴿الَّذِينَ طَغَوْاْ﴾ : يجوز فيه ما جاز في :" الذين " قبله، من الإتباع والقطع على الذم.
٣٢١
قال ابن الخطيب : يحتمل أن يرجع الضَّمير إلى فرعون خاصة ؛ لأنه يليه، ويحتمل أن يرجع إلى جميع من تقدم ذكرهم، وهو الأقرب.
وأحسن الوجوه في إعرابه : أن يكون في محل نصب على الذم، ويجوز أن يكون مرفوعاً على :" هم الذين طغوا " مجروراً على وصف المذكورين عاد وثمود وفرعون.
يعني : عاداً، وفرعون، وثموداً طغوا، أي : تمردوا وعتوا، وتجاوزا القدر في الظلم والعدوان، ثم فسر تعالى طغيانهم بقوله :﴿فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ﴾.
قال الكلبيُّ : القتل، والمعصية لله تعالى.
قال القفال : والجملة أن الفساد ضد الصلاح، فكما أن الصلاح يتناول جميع أقسام البر، فالفساد يتناول جميع أقسام الإثم، فمن عمل بغير أمر الله، وحكم في عباده بالظلم فهو مفسد.
قوله :﴿فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ﴾.
أي : أفرغ عليهم، وألقى، يقال : صبَّ على فلان خلعة، أي : ألقاها عليه ؛ قال النابغة :[الطويل] ٥١٩٨ - فَصبَّ عَليْهِ اللهُ أحْسنَ صُنْعهِ
وكَانَ لَهُ بَيْنَ البَريَّةِ نَاصِراً
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣١٥
وقوله تعالى :﴿سَوْطَ عَذَابٍ﴾ أي : نصيب عذاب ؛ وقيل : شدته ؛ لأن السوط عندهم ما يعذب به.
قال الشاعر :[الطويل] ٥١٩٩ - ألَمْ تَرَ أنَّ اللهَ أظهرَ دينهُ
وصَبَّ على الكُفَّارِ سوْطَ عذابِ
والسوط : هو الآلة المعروفة.
قيل : سمي سوطاً ؛ لأن يساط به اللحم عند الضرب أي : يختلط ؛ قال كعب بن زهير :[البسيط] ٥٢٠٠ - لَكنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ شِيطَ منْ دَمِهَا
فَجْعٌ ووَلْعٌ وإخلافٌ وتَبْديلُ
وقال آخر :[الطويل] ٥٢٠١ - أحَارِثُ إنَّا لو تُسَاطُ دِماؤُنَا
تَزايلنَ حتَّى لا يَمَسُّ دَمٌ دَمَا
[وقيل : هو في الأصل مصدر : ساطه يسوطه سوطاً، ثم سميت به الآلة].
٣٢٢
وقال أبو زيد : أموالهم بينهم سويطة، أي : مختلطة.
فالسَّوطُ : خلط الشيء بعضه ببعض، ومنه سمي : المسواط، وساطه : أي خلطه، فهو سائط، وأكثر من ذلك، يقال : سوط فلان أموره ؛ قال :[الطويل] ٥٢٠٢ - فَسُطْهَا ذَمِيمَ الرَّأي غَيْرَ مُوفَّقٍ
فَلست عَلى تَسْويطهَا بمُعَانِ
قال الفرَّاء : هي كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب، وأصل ذلك أن السَّوطَ : هو عذابهم الذي يعذبون به، فجرى لكل عذاب إذا كان فيه غاية العذاب.
وقال الزجاج : أي : جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب.
[ويقال : ساط دابته يسوطها أي : ضربها بسوطه.
وعن عمرو بن عبيد : كان الحسن إذا أتى على هذه الآية قال : إن الله تعالى عنده أسواط كثيرة فأخذهم بسوط منها].
قال قتادة : كل شيء عذب الله به، فهو سوط عذاب.
[واستعمال الصب في السوط الذي يتواتر على المضروب فيهلكه].
قوله :﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾، أي : يرصد عمل كل إنسان، حتى يجازيه به.
قال الحسن وعكرمة : والمِرْصادَ : كالمرصد، وهو : المكان الذي يترقب فيه الرَّصد، جمع راصد كحرس، فالمرصاد " مفعال " من :" رصده "، كميقات من وقته، قاله الزمخشري.
وجوَّز ابنُ عطيَّة في المرصاد : أن يكون اسم فاعل، قال : كأنه قيل :" لبالراصد "، فعبر ببناء المبالغة.
ورده أبو حيَّان : بأنه لو كان كذلك لم تدخل عليه الباء، إذ ليس هوفي موضع دخولها، لا زائدة، ولا غير زائدة.
٣٢٣
قال شهابُ الدِّين : قد وردت زيادتها في خبر :" إنَّ " كهذه الآية ؛ وفي قول امرئ القيس :[الطويل] ٥٢٠٣ -..................................
فإنَّكَ ممَّا أحْدثَتْ بالمُجرِّبِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣١٥
إلاَّ أنَّ هذه ضرورة، لا يقاس عليه الكلام، فضلاً عن أفصحه.
فصل تقدم الكلام في :" المرصاد "، عند قوله :﴿كَانَتْ مِرْصَاداً﴾ [النبأ : ٢١]، وهذا مثلٌ لإرصاده العصاة بالعقاب بأنهم لا يفوتونه، كما قيل لبعض العرب : أين ربك ؟ قال : بالمرصاد.
وقال الفراء : معناه : إليه المصير.
وقال الزجاج : يرصد من كفر به وعاند طاعته بالعذاب.
وقال الضحاك : يرصد أهل الظلم، والمعصية.
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣١٥


الصفحة التالية
Icon