البلد ما يحرم عليه ارتكابه معرفة منك بحق هذا البيت لا كالمشركين الذين يرتكبون الكفر بالله فيه.
وقال شرحبيل بن سعد :" وأنْتَ حلٌّ بِهَذَا البَلدِ " أي : حلال، أي هم يحرمون " مكة " أن يقتلوا بها صيداً، أو يعضدوا بها شجرة، ثم هم مع هذا يستحلُّون إخراجك وقتلك، ففيه تعجُّب في جرأتهم وشدة عدواتهم له.
قوله :﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾.
قيل " ما " بمعنى :" من "، أو بمعنى :" الذي ".
وقيل : مصدرية أقسم بالشخص وفعله.
وقال الزمخشريُّ : فإن قلت : هلا قيل : ومَنْ ولد ؟ قلت : فيه ما في قوله :﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ﴾ [آل عمران : ٣٦]، أي : بأي شيء وضعت، يعني : موضوعاً عجيب الشأن.
وقيل :" ما " : فيحتاج إلى إضمار موصول به يصح الكلام، تقديره : والذي ما ولد، إذ المراد بالوالد، الذي يولد له، " ومَا وَلَد " يعني : العَاقِر الذي لا يُولَدُ له، قال معناه ابنُ عبَّاسٍ، وتلميذه ابنُ جبيرٍ وعكرمةُ.
فصل في الكلام على الآية هذا معطوف على قوله :﴿لاَ أُقْسِمُ بِهَـاذَا الْبَلَدِ﴾، وقوله تعالى :﴿وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـاذَا الْبَلَدِ﴾ معترض بين المعطوف والمعطوف عليه.
قال ابنُ عباسٍ ومجاهد وقتادةُ والضحاكُ والحسنُ وأبو صالحٍ والطبريُّ : المراد بالوالد : آدم عليه الصلاة والسلام، " ومَا وَلَد " أي : وما نسل من ولده، أقسم بهم ؛ لأنهم أعجب ما خلق تعالى على وجه الأرض، لما فيهم من البنيان، والنُّطق، والتدبير، وإخراج العلوم، وفيهم الأنبياء، والدُّعاة إلى الله تعالى، والأنصار لدينه، وأمر الملائكة بالسُّجود لآدم - عليه السلام - وعلمه الأسماء كلَّها، وقد قال تعالى :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء : ٧٠].
وقيل : هو إقسام بآدم، والصالحين من ذريته، وأما الطالحون، فكأنهم بهائم، كما
٣٤١
قال تعالى :﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ﴾ [الفرقان : ٤٤]، وقوله :﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ [البقرة : ١٨].
وقيل : الوالد : إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ﴿وَمَا وَلَدَ﴾ [ذريته.
وقيل : الوالد إبراهيم وإسماعيل، وما ولد محمد ﷺ لأنه أقسم بمكة وإبراهيم].
قال الفراء : وصلح " ما " للناس، كقوله :﴿مَا طَابَ لَكُمْ﴾ [النساء : ٣]، وقوله تعالى :﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنثَى ﴾ [الليل : ٣]، وهو خالق الذكر والأنثى.
قال الماورديُّ : ويحتمل أن الوالد : النبي صلى اله عليه وسلم لتقدم ذكره، " ومَا وَلَد " : أمته : لقوله عليه الصلاة والسلام، " إنَّما أنَا بِمنزْلَةِ الوَالِدِ أعَلِّمكُمْ "، فأقسم به وبأمته، بعد أن أقسم ببلده، مبالغة في تشريفه عليه الصلاة والسلام.
قوله :﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ : هذا هو المقسم عليه، والكبد : المشقة.
قال الزمخشريُّ : والكَبدُ : أصله من قولك : كبدَ الرجل كبداً، فهو أكْبَد، إذا وجعت كبده وانتفخت، فاتسع فيه، حتى استعمل في كل تعب ومشقة، ومنه اشتقت المُكابَدةُ، كما قيل : كبته بمعنى أهلكه، وأصله : كبده إذا أصاب كبده.
قال لبيد :[المنسرح] ٥٢١١ - يَا عَيْنُ هَلاَّ بَكَيْتِ لأربَدَ إذْ
قُمْنَا وقَامَ الخُصومُ في كَبدِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٣٨
أي : في شدة الأمر، وصعوبة الخطب ؛ وقال أبو الإصبع :[البسيط] ٥٢١٢ - لِيَ ابنُ عَمٍّ لو أنَّ النَّاس في كَبدٍ
لظَلَّ مُحْتَجِزاً بالنَّبْلِ يَرْمِينِي
فصل في المراد بـ " الإنسان " الإنسان هنا ابن آدم.
٣٤٢