مقدرة، وقوله " ويلزم ألاَّ يكون له عامل " ليس كذلك بل له عامل وهو فعل القسم، ولا يضر كونه إنشائياً، لأن الحال مقدرة كما تقدم، وقوله " وقد يكون المقسم به جثة " جوايه : يقدر حينئذ حدث، يكون الظرف الزماني حالاً عنه وسئل ابن الحاجب عن هذه المسألة، فأجاب بنحو ما ذكرناه والله اعلم، ولا يخو الكلام فيها من بحث.
قوله :﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾.
المفعول " الشمس " : أي : يغشى الشمس فيذهب بضوئها عند سقوطها، قاله مجاهد.
وقيل : للأرض أي : يغشى الدنيا بالظلمة، فتظلم الآفاق فالكناية ترجع إلى غير مذكور.
وجيء بـ " يَغْشَاهَا " مضارعاً دون ما قبله وما بعده مراعاة للفواصل ؛ إذ لو أتى به ماضياً لكان التركيب " إذ غشيها " فتفوت المناسبة اللفظية بين الفواصل والمقاطع.
قوله :﴿وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا﴾.
في " ما " هذه وجهان : أحدهما : أن " ما " موصولة بمعنى " الذي " وبه استشهد من يجوز وقوعها على العقلاء، ولأن المراد به الباري تعالى، وغليه ذهب الحسن ومجاهد وأبو عبيدة، واختاره ابن جرير.
والثاني : مصدر، أي وبنائها، وإليه ذهب الزجاج والمبرد، وهذا منهما بناء على أنها مختصة بغير العقلاء.
واعترض على هذا القول بأنه يلزم أن يكون القسم بنفس بناء السماء وطحو الأرض، وتسوية النفس، وليس المقصود إلاَّ القسم بفاعل هذه الأشياء، وهو الرب تعالى، وأجيب عنه بوجهين : أحدهما : أن يكون على حذف مضاف، أي : ورب بناء السماء ونحوه.
والثاني : أنه لا غرو لا يجوز في الإقسام بهذه الأشياء، كما أقسم سبحانه وتعالى بالصبح ونحوه.
وقال الزمخشري :" جعلت " ما " مصدرية في قوله " وما بناها "، " وما طحاها "، " وما سواها "، وليس بالوجه، لقوله " فألهمها "، وما يؤدي إليه من فساد النظم، والوجه أن تكون موصولة، وإنما أوثرت على " من " لإرادة معنى الوصفية، كأنه قيل : والسماء والقادر العظيم الذي بناها، ونفسٍ والحكيم الباهر الحكمة الذي سواها، وفي كلامهم : سبحان من سخركن لنا " انتهى.
[يعني أن الفاعل في " فألهمها " عائد على الله تعالى، فليكن في بنائها كذلك].
٣٥٩
وحينئذ يلزم عوده على شيء، وليس هنا ما يمكن عوده عليه غير " ما " فتعين أن تكون موصولة.
قال أبو حيان :" أما قوله " وليس بالوجه "، لقوله تعالى :﴿فَأَلْهَمَهَا﴾ يعني من عود الضمير في ﴿فَأَلْهَمَهَا﴾ على الله تعالى، فيكون قد عاد على مذكور، وهو " ما " المراد به " الذي "، قال : ولا يلزم ذلك، لأنا إذا جعلناها مصدرية عاد الضمير على ما يفهم من سباق الكلام، في " بَنَاهَا " ضمير عائد على الله تعالى، أي : ويناها هو، أي : الله تعالى، كما إذا رأيت زيداً قد ضرب عمراً، فتقول : عجبت مما ضرب عمرو، تقديره : من ضرب عمرو هو، كان حسناً فصيحاً جائزاً، وعود الضمير على ما يفهمُ من سياق الكلام كثير.
وقوله " وما يؤدي إليه من فساد النظم " ليس كذلك، ولا يؤدي جعلها مصدرية إلى ما ذكر.
وقوله " وإنما أوثرت " إلى آخره، لا يراد بـ " ما " ولا " من " الموصولتين، معنى الوصيلة، لأنهما لا يوصف بهما " ما " دون " من ".
وقوله " في كلامهم " إلى آخره، تأوله أصحابنا على أن " سبحان " علم، و " ما " مصدرية ظرفية ".
قال شهاب الدين : أما ما ربه به عليه من كونه يعود على ما يفهم من السياق، فليس يصلح رداً ؛ لأنه إذا دار الأمر بين عوده على ملفوظ وبين غير ملفوظ به، فعوده على الملفوظ به أولى ؛ لأنه الأصل وأما قوله : فلا ينفرد به " ما " دون " من "، فليس مراد الزمخشري أنها توصف وصفاً صريحاً، بل مراده أنها تقع على نوع من يعقل وعلى صفته، ولذلك مثل النحويون بقوله تعالى :﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ﴾ [النساء : ٣].
وقالوا : تقديره : فانكِحُوا الطَّيب من النِّساءِ، ولا شك أن هذا الحكم تنفرد به " ما " دون " من ".
قوله :﴿وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾.
أي : وطحوها، وقيل : من طحاها : أي بسطها، قال عامة المفسرين : أي دحاها.
قال الحسن ومجاهد وغيرهما : طحاها ودحاها : واحد، أي : بسطها من كل جانب.
والطَّحْوُ : البسطُ، طحا، يطحو، طحواً، وطحى يطحى طحياً، وطحيت :
٣٦٠
اضطجعت، عن أبي عمرو، وعن ابن عباس : طحاها : أي قسمها، وقيل : خلقها ؛ قال الشاعر :[الوافر] ٥٢٢٠ - ومَا تَدْرِي جَذيمةُ مَنْ طَحَاهَا
ولا مَنْ سَاكِنُ العَرْشِ الرَّفيعِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٥٤
قال الماوردي : ويحتمل أنه ما خرج منها من نبات وعيون وكنوز ؛ لأن حياة لما خلق عليها.
ويقال في بعض أيمان العرب : لا، والقمر الطاحي، أي : المشرق المرتفع.
قال أبو عمرو : طحا الرجل إذا ذهب في الأرض، يقال : ما أدري أين طحا ؟ ويقال : طحا به قلبه، إذا ذهب به كل شيء ؛ قال علقمة :[الطويل] ٥٢٢١ - طَحَا بِكَ قَلبٌ في الحِسانِ طَرُوب
…....................................


الصفحة التالية
Icon