فصل في المراد بالإعطاء قال المفسرون :" فأمَّا مَنْ أعْطَى " المعسرين.
وقال قتادة : أعطى حق الله الواجب.
وقال الحسن : أعطى الصدق من قلبه وصدق بالحسنى، أي بلا إله إلا الله، وهو قول ابن عباس والضحاك والسلمي رضي الله عنهم.
وقال مجاهد : بالجنة ؛ لقوله تعالى :﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس : ٢٦].
وقال زيد بن أسلم : في الصلاة والزكاة والصوم.
وقوله :" فسنيسره لليسرى " أي نرشده لأسباب الخير والصلاح حتى يسهل عليه فعلها.
وقال زيد بن أسل : لليسر ؛ للجنة.
قال رسول الله ﷺ :" مَا مِن نَفسٍ إلاَّ كتَبَ اللهُ - تَعَالَى - مَدخَلهَا " فقال القَوْمُ : يَا رسُولَ اللهِ، أفَلا نَتَّكِلُ على كِتَابِنَا ؟ فقَال - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - :" بَل اعملُوا فكُلٌّ مُيسَّرٌ، فمن كانَ من أهْلِ السَّعَادةِ فإنَّهُ مُيَسَّرٌ لعملِ أهْلِ السَّعادةِ، ومن كَانِ مِنْ أهْلِ الشَّقَاوةِ فإنَّهُ ميسَّرٌ لعملِ أهْلِ الشَّقاوةِ " ثُمَّ قَرَأ :" فأما من أعْطَى واتَّقَى، وصَدقَ بِالحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ".
قوله :﴿وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ﴾.
أي : ضنَّ بما عنده فلم يبذل خيراً، وروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله :﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾، قال : سوف أحول بينه وبين الإيمان بالله وبرسوله.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال نزلت في أمية بن خلف.
وعن ابن عباس : وأمَّا من بَخِلَ واسْتَغَنَى "، أي : بخل بماله واستغنى عن ربه ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾ أي : بالخلف الذي وعده الله تعالى في قوله تعالى :﴿وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ : ٣٩].
٣٧٢
[وقال مجاهد : وكذب بالحسنى أي بالجنة، وعنه : بلا إله إلا الله.
فنيسره للعسرى أي نسهل عليه طريقة العسرى للشر، وعن ابن مسعود : أي للنار].
قوله :﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ يدل على أن التوفيق والخذلان من الله تعالى لأن التيسير يدل على الرجحان ولزم الوجوب، لأنه لا واسطة بين الفعل والترك، ومع الاستواء لا ترجيح فحا المرجوحية أولى بالامتناع، ومتى امتنع أحد الطرفين وجب الآخر إذ لا خروج عن النقيضين.
أجاب القفال : أنه من باب تسمية أحد الضدين باسم الآخر، كقوله تعالى :﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ﴾ [الشورى : ٤٠] فسمى الله الألفاظ الداعية إلى الطَّاعة تيسيراً لليسرى، وسمى ترك هذه الألفاظ تيسيراً للعسرى، أو هو من باب إضافة الفعل إلى السبب دون الفاعل، كقوله تعالى :﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ﴾ [إبراهيم : ٣٦]، أو يكون على سبيل الحكم، والإخبار عنه.
وأجيب بأن هذا كلُه عدول عن الظاهر، والظاهر من جهتنا وهو المقصود من الحديث المتقدم :" مَا مِنْ نَفْسٍ مَنفوسةٍ ".
قال القفال : معنى الحديث : أن النَّاس خلقوا للعبادة، قال تعالى :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات : ٥٦]، وهذا ضعيفٌ ؛ لأن هذا جواب عن قولهم :" ألا نتكل " ؟ فقال : اعملوا فكلٌّ ميسر، لما وافق معلوم الله تعالى.
فصل في اليسرى والعسرى التأنيثُ في " اليُسرَى " و " العُسرَى " إن أريد جماعة الأعمال فظاهر، وإن أريد عمل من الأعمال باعتبار الخصلة، أو الفعلة، أو الطريقة، فمن فسر اليسرى بالجنة، فتيسيرها بإكرام، وسهولة، ومن فسرها بالخير، فتيسيره حضّه عليه ونشاطه، بخلاف المنافق والمرائي، ودخلت السين في " فَسنُيسِّرهُ " بمعنى الترجي، وهذا يفيد القطع من الله تعالى، أو لأن الأعمال بالخواتيم، فقد يعصي المطيع، وبالعكس، أو لأن أكثر الثواب يكون بالآخرة، وهي متأخرة.
قوله :﴿وَمَا يُغْنِي﴾، يجوز أن تكون " ما " نافية، أي : لا يغني عنه ماله شيئاً، وأن تكون استفهاماً إنكارياً، أي : أيُّ شيء يغني عنه ماله إذا هلك، ووقع في جهنم دتردى، ويروي إما من الهلاك يقال : ردي الرجل يردي، إذا هلك ؛ قال :[الطويل]
٥٢٢٦ - صَرَفْتُ الهَوَى عَنهُنَّ مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى
٣٧٣
وقال أبو صالح وزيد بن أسلم : تردى، أي سقط في جهنم، ومنه " المتردية "، ويقال : ردي من في البئر وتردى : إذا سقط في بئر أو نهر أو من جبل، ويقال : ما أدري أين ردى أي أين ذهب.
ويحتمل أن يكون من تردى، وهو كناية عن الموت ؛ كقوله :[الكامل] ٥٢٢٧ - وخُطَّا بأطْرافِ الأسنَّةِ مَضْجعِي
ورُدَّا عَلى عيننيَّ فضْلَ رِدَائيَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٧١
وقول الآخر :[الطويل] ٥٢٢٨ - نَصِيبُكَ ممّا تَجْمَعُ الدَّهْرَ كُلَّهُ
رِدَاءَانِ تُلْوَى فِيهِمَا وحَنُوطُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٧١