قوله :﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾، أن نبين طريق الهدى، من طريق الضلال، فالهدى بمعنى بيان الأحكام قاله الزجاجُ : أي : على الله بيان حلاله، وحرامه، وطاعته ومعصيته، وهو قول قتادة.
وقال الفراءُ : من سلك الهدى، فعلى الله سبيله، كقوله تعالى :﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل : ٩]، وقيل : معناه إنَّ علينا للهدى والإضلال، فترك الإضلال كقوله تعالى :﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ [آل عمران : ٢٦]، وقوله تعالى :﴿تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل : ٨١] وهي تقي الحرَّ وهي تقي البرد، قاله الفراء أيضاً.
وهو يروي عن ابن عباس رضي الله عنه.
فصل لما عرفهم سبحانه أن سعيهم شتى، وبين ما للمحسنين من اليسرى، وللمسيئين من العسرى أخبرهم أنه قد مضى ما عليه من البيان، والدلالة، والترغيب، والترهيب، أي : أن الذي يجب علينا في الحكمة إذا خلقا الخلق للعبادة أن نبين لهم وجوه التعبد، ونبين المتعبد به.
قالت المعتزلة : إباحة الاعذار تقتضي أنه تعالى كلفهم بما في وسعهم وطاقتهم.
وأيضاً فكلمة " على " للوجوب، وأيضاً : فلو لم يستقل العبد بالإيجاد، لم يكن في نصب الأدلة فائدة، وجوابهم قد تقدم.
وزاد الواحديُّ : أن الفراء، قال : إن معنى : إن علينا للهدى والإضلال، فحذف المعطوف كقوله تعالى :﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل : ٨١]، وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما، يريد : أرشد أوليائي للعمل بطاعتي، وأحول بين أعدائي أن
٣٧٤
يعلموا بطاعتي، وهو معنى الإضلال، ورد المعتزلة هذا التأويل بقوله تعالى :﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾ [النحل : ٩]، وتقدم جوابهم.
قوله تعالى :﴿وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى ﴾، أي : لنا كل ما في الدنيا، والآخرة، فلا يضرنا ترككم الاهتداء بهدانا، ولا يزيد في ملكنا اهتداؤهم بل نفع ذلك وضره عائدان عليكم، ولو شئنا لمنعناكم عن المعاصي لكن ذلك يخل بالتكليف، بل نمنعكم بالبيان والتعريف، والوعد والوعيد، ونكون نحن نملك الدارين، فليطلب منا سعادة الدارين ؛ فالأول أوفق لقول المعتزلة، والثاني أوفق لقولنا.
وروى أبو صالح عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : ثواب الدنيا والآخرة، وهو كقوله تعالى :﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾ [النساء : ١٣٤] فمن طلبهما من غير مالكهما فقد أخطأ الطريق.
قوله :﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى ﴾.
قد تقدم في " البقرة " : أن البزي يشدد مثل هذه التاء، والتشديد فيها عسر لالتقاء الساكنين فيهما على غير حدهما، وهو نظير قوله تعالى :﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ [النور : ١٥] وقد تقدم.
وقال أبو البقاء : يقرأ بكسر التنوين، وتشديد التاء، وقد ذكر وجهه في قوله تعالى :﴿وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ﴾ [البقرة : ٢٦٧] انتهى.
وهذه قراءة غريبة، ولكنها موافقة للقياس من حيث إنه لم يلتق فيها ساكنان وقد ذكر وجهه، أي الذي قاله في " البقرة "، ولا يفيد هنا شيئاً ألبتة فإنه قال هناك :" ويقرأ بتشديد التاء، وقبله ألف، وهو جمع بين ساكنين، وإنام سوغ ذلك المد الذي في الألف.
وقال ابنُ الزبير، وسفيان، وزيد بن علي، وطلحة، " تَتَلظَّى " بتاءين وهو الأصل.
قال القرطبي :" وهي قراءة عبد الله بن عمير ويحيى بن يعمر ".
فصل في معنى الآية المعنى : خوفتكم، وحذرتكم ناراً تلظى، أي : تلهّب، وتوقّد، وتوهّج، يقال : تلظت النار تلظياً، ومنه سميت جهنم : لظى.
قوله تعالى :﴿لاَ يَصْلاَهَآ﴾، أي : لا يجد صلاها، وهو حرها ﴿إِلاَّ الأَشْقَى﴾، أي : الشقي.
٣٧٥
قيل : الأشقى، والأتقى، بمعنى الشقي والتقي، ولا تفضيل فيهما، لأن النار مختصة بالأكثر شقاء، وتجنبها ليس مختصاً بالأكثر تقوى.
وقيل : بل هما على بابهما، وإليه ذهب الزمخشريُّ، فإنه قال : فإن قلت : كيف قال :﴿لاَ يَصْلاَهَآ إِلاَّ الأَشْقَى﴾ ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾، وقد علم أن كلَّ شقي يصلاها، وكل تقي يجنبها، لا يختص بالصليّ أشقى الأشقياء، ولا بالنجاة أتقى الأتقياء، وإن زعمت أنه نكَّر النار، فأراد ناراً بعينها مخصوصة بالأشقى، فما تصنع بقوله ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى﴾ فقد علم أن أفسق المسلمين يجنب تلك النار المخصوصة، لا الأتقى منهم خاصة.
قلت : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين، وعظيم من المؤمنين، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين ؛ فقيل : الأشقى، وجعل : مختصاً بالصلي كأن النار لم تخلق إلا له.
وقيل : الأتقى، وجعل مختصاً بالنجاة، كأن الجنة لم تخلق إلا له، وقيل : هما أبو جهل وأمية وأبو بكر - رضي الله عنه.
قال : جوابه المراد بهما شخصان معنيان.
انتهى.
فصل قال المفسرون : المراد بالأشقى، والشقي : الذي " كذَّب " نبي الله ﷺ " وتولَّى " أعرض عن الإيمان.
وقال الفرَّاء : معناه إلاَّ مَنْ كان شقياً في علمِ الله تعالى.
قال بعضهم :" الأشقَى " بمعنى الشقي ؛ كقوله :[الطويل] ٥٢٢٩ - ……..............................