[بنصب راء " يشاور "، وجعله محتمل للتخريجين.
وشرح الصدر : فتحه ؛ أي ألم تفتح صدرك للإسلام.
وقال ابن عباس : ألم تلين قلبك وعن الحسن في قوله : ألم نشرح، وقال مكي : حلماً وعلماً].
وشح الصدر : فتحه : روي أن جبريل - عليه السلام - أتاه وشق صدره، وأخرج قلبه، وغسله وأنقاه من المعاصي، ثم ملأه علماً، وإيماناً، ووضعه في صدره، وطعن القاضي في هذه الرواية من وجوه :
٣٩٧
أحدها : أن هذه الواقعة إنما وقعت حال صغرهِ ﷺ وذلك من المعجزات فلا يجوز أن يتقدم بثبوته.
وثانيها : أن تأثير الغسل في إزالة الأجسام، والمعاصي ليست بإجرام فلم يؤثر الغسل فيها.
وثالثها : أنه لا يصح أن يملأ القلب علماً، بل الله تبارك وتعالى يخلق فيه المعلوم.
وأجيب عن الأول : بأن تقديم المعجزات على زمان البعثة جائز، وهو المسمى بالإرهاص، ومثله في حق الرسول ﷺ كثير.
وعن الثاني، والثالث : لا يبعد أن يكون حصول ذلك الدم الأسود الذي غسلوه من قلب الرسول - عليه الصلاة والسلام - ميل القلب إلى المعاصي وإحجامه عن الطاعات، فإذا أزالوه عنه كان ذلك علامة لمواظبة صاحبه على الطاعات، واحترازه عن السيئات، فكان ذلك، كالعلامة للملائكة على عصمة صاحبه.
وأيضاً فإن الله تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
" روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنهم قالوا : يا رسول الله، أينشرح الصدر ؟.
قال :" نعم وينفسح "، قالوا : يا رسول الله، وهل لذلك علامة ؟.
قال :" نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاعتداد للموت قبل نزول الموت ".
قال القرطبيُّ : معنى ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ قد شرحنا، و " لَمْ " جحد، وفي الاستفهام طرف من الجحد وإذا وقع جحد، رجع إلى التحقيق، كقوله تعالى :﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ [التين : ٨]، ومعناه : الله أحكم الحاكمين، وكذا ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر : ٣٦]، ومنه قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان :[الوافر] ٥٢٤٩ - ألَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايَا
وأنْدَى العَالمِينَ بُطُونَ رَاحِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٩٦
المعنى : أنتم كذا.
فإن قيل : لم قال عز وجل :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ فذكر الصدر ولم يذكر القلب ؟.
فالجوابُ : لن محلَّ الوسوسة هو الصَّدر على ما قال تعالى :﴿يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ﴾ [الناس : ٥] فإبدال تلك الوسوسة بدواعي الخير هو الشرح، فلذلك خص الشرح بالصدر دون القلب.
وقيل : الصدر حضن القلب، فيقصده الشبطان، فإن وجد مسلكاً أغار فيه، وبث جنده فيه وبث فيه الغموم، والهموم والحرص، فيقسو القلب حينئذ، ولا يجد للطاعة
٣٩٨
لذة، ولا للإسلام حلاوةً، فإذا طرد في الابتداء حصل الأمن، وانشرح الصدر.
فإن قيل : لِمَ قال :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ ولم يقل :" ألَمْ نَشْرَحْ صَدْرَك " ؟.
فالجوابُ : كأنه تعالى يقول : لام بلام، فأنت إنما تفعل الطاعات لأجلي، وأنا أيضاً جميع ما أفعله لأجلك.
فصل فيمن اعتبر " والضحى "، و " ألم نشرح " سورة واحدة روي عن طاوس، وعمر بن عبد العزيز أنهما كانا يقرآن :" والضُّحَى "، و ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ سورة واحدة، وكانا يقرآنها في ركعة واحدة، ولا يفصلان بينهما بـ " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ "، وذلك لأنهما رأيا أن أولهما يشبه قوله تعالى :﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى ﴾.
وليس كذلك، لأن حالة اغتمامه ﷺ بإيذاء الكفار، فهي حالة محنةٍ وضيق، وهذه حالة انشراح الصدر، وطيب القلبِ فكيف يجتمعان ؟.
قوله :﴿وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ﴾، أي : حططنا عنك بذنبك.
وقرأ أنس - رضي الله عنه - وحللنا وحططنا.
وقرأ ابن مسعود :" وَحَلَلْنَا عَنْكَ وقْرَكَ ".
وهذه الآية مثل قوله :﴿لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح : ٢].
قيل : الجميع كانوا قبل النبوة، أي : وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية ؛ لأنه كان ﷺ كان في يسر من مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنماً، ولا وثناً.
قوله :﴿الَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ﴾، أي : حمله على النقض، وهو صوت الانتقاض والانفكاك لثقله، مثل لما كان يثقله صلى الله عليه وسلم.
قال أهل اللغة : أنقض الحمل ظهر الناقة : إذا سمعت له صريراً من شدة الحمل، وسمعت نقيض الرجل أي صريره ؛ قال العبَّاس بن مرداسٍ :[الطويل] ٥٢٥٠ - وأنْقضَ ظَهْرِي ما تطَوَّيْتُ مِنهُم
وكُنْتُ عَليْهِمْ مُشْفِقاً مُتَحَنِّنَا
وقال جميلٌ :[الطويل] ٥٢٥١ - وحتَّى تَداعَتْ بالنَّقيضِ حِبالهُ
وهَمَّتْ بَوانِي زَوْرهِ أنْ تُحطَّمَا
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٣٩٦
والمعنى : أثقل ظهرك حين سمع نقيضه، أي : صوته.
٣٩٩


الصفحة التالية
Icon