حيلة يقال : سفل يسفل فهو سافل، وهم سافلون كما تقول : علا يعلو فهو عال وهم عالون].
وعن مجاهد وأبي العالية :" أسفل سافلين " إلى النار، يعني الكافر.
قال علي رضي الله عنه : أبواب جهنَّم بعضها أسفل من بعض، فيبدأ بالأسفل فيملأ وهو أسفل السافلين.
وعلى هذا التقدير : ثم رددناه إلى أسفل، وفي أسفل السافلين.
قوله :﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ فيه وجهان : أحدهما : متصل على أن المعنى : رددناه أسفل من سفل خلقاً وتركيباً، يعني أقبح من قبح خلقه، وأشوههم صورة، وهم أهل النار، فالاتصال على هذا واضح.
والثاني : أنه منقطع على أن المعنى : ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في الحسن والصورة والشكل، حيث نكسناه في خلقه، فقوس ظهره، وضعف بصره وسمعه والمعنى : ولكن والذين كانوا صالحين من الهرمى فلهم ثواب دائم عل طاعتم، وصبرهم على الابتداء بالشيخوخة، ومشاق العبادة، قاله الزمخشري ملخصاً، وقال : أسفل سافلين على الجمع ؛ لأن الإنسان في معنى الجمع.
قال الفرَّاء : ولو قال : أسفل سافل جاز، لأن لفظ الإنسان واحد كما تقول : هذا أفضل، ولا تقول : أفضل قائمين، لأنك تضمر الواحد، فإن كان الواحد غير مضمور له، رجع اسمه بالتوحيد، والجمع، كقوله تعالى :﴿وَالَّذِي جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [الزمر : ٣٣]، وقوله تعالى :﴿إِذَآ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا﴾ [الشورى : ٤٨].
قوله تعالى :﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾.
قال الضحاكُ : أجر بغير عمل.
وقيل : غير مقطوع أي : لا يمن به عليهم.
قوله تعالى :﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ﴾.
" مَا " استفهامية في محل فع بالابتداء والخبر الفعل بعدها والمخاطب : الإنسان على طريق الالتفات، توبيخاً، وإلزاماً للحُجَّة، والمعنى :
٤١٠
فما يجعلك كاذباً بسبب الدين، وإنكاره، وقد خلقك في أحسن تقويمٍ، وأنه يردك إلى أرذلِ العمر، وينقلك من حال إلى حال فما الذي يحملك بعد هذا الدليل إلى أن تكون كاذباً بسبب الجزاءِ [لأن كل مكذب بالحق، فهو كاذب فأي شيء يضطرك إلى أن تكون كاذباً يعني : أنك تكذب إذا كذبت بالجزاء ؛ لأن كل مكذَّب كاذب بسبب الجزاء]، والباء مثلها في قوله :﴿عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [النحل : ١٠٠].
وقيل : المخاطب رسول الله ﷺ وعلى هذا يكون المعنى : فما الذي يكذبك فيما تخبر به من الجزاء والبعث وهو الدين، بعد هذه العبر التي يوجب النظر فيها صحة ما قلت، قاله الفرَّاء والأخفش.
قوله تعالى :﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾ أي : أتقن الحاكمين صنعاً في كل ما خلق، وإذا ثبتت القدرة، والحكمة بهذه الدلالة صح القولُ بإمكان الحشرِ، ووقوعه، أمّا الإمكان فبالنظر إلى القدرة، وأما الوقوع فبالنظر إلىالحكمة لأن عدم ذلك يقدح في الحكمة كما قال تعالى :﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾ [ص : ٢٧].
وقيل : أحكم الحاكمين : قضاء بالحق، وعدلاً بين الخلق، وألف الاستفهام إذا دخلت على النفي في الكلام صار إيجاباً، كقوله :[الوافر] ٥٢٥٢ - ألَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكبَ المَطَايَا
...................................
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٠٥
قيل : هذه الآية منسوخة بآية السيف.
وقيل : هي ثابتة لأنه لا تنافي بينهما].
وكان ابن عباس وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - إذا قرءا :﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ﴾، قالا : بلى، وإنَّا على ذلك من الشاهدين.
قال القاضي : هذه الآية من أقوى الدلائل على أنه تعالى لا يفعل القبيح، ولا يخلق أفعال العباد مع ما فيها من السفه والظلم، لأنه تعالى أحكم الحاكمين، فلا يفعل فعل السفهاء.
وأجيب : بالمعارضة بالعلم، والداعي، ثم نقول : السَّفيهُ من قامت السفاهة به، لا من خلق السفاهة، كما أن المتحرك من قامت الحركة به بدلاً لا من خلقها.
والله أعلم.
٤١١
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤٠٥