يدل على أن هذه عادته، ودأبه، فهو أبلغ في الذم أيضاً فهذا عام في كل من نهى عن الصلاة، وروي عن عليٍّ - رضي الله عنه - : أنه رأى أقواماً يصلون قبل صلاة العيد، فقال : ما رأيت رسول الله ﷺ يفعل ذلك، فقيل له : ألا تنهاهم فقال : أخشى أن أدخل في قوله تعالى :﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى ﴾ [العلق : ٩، ١٠]، فلم يصرح أيضاً بالنهي عن الصلاة.
وأيضاً فيه : إجلال لمنصب رسول الله ﷺ أن ينهاه رجل لا سيما مثل هذا.
قوله :﴿كَلاَّ﴾ ردع لأبي جهل عن نهيه عن عبادة الله تعالى، أو كلا لن يصل أبو جهلٍ إلى أن يقتل محمداً ﷺ ويطأ عنقه.
وقال مقاتل : كلا لا يعلم أن الله يرى، وإن كان يعلم لكن إذا كان لا ينتفع بناصيته يوم القيامة، وليسحبنه بها في النَّار، كقوله تعالى :﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ﴾ [الرحمن : ٤١]، فالآية وإن كانت في أب جهلٍ، فهي عظةٌ للنَّاس، وتهديد لمن يمنع غيره عن الطاعة.
قوله :﴿لَنَسْفَعاً﴾، الوقف على هذه النون بالألف، تشبيهاً لها بالتنوين، ولذلك يحذف بعد الضمة والكسرة وقفاً، وتكتب هنا ألفاً إتباعاً للوقف.
وروي عن أبي عمرو :" لَنَسْفَعَنَّ " بالنون الثقيلة.
والسَّفع : الأخذ والقبض على الشيء بشدة، يقال : سفع بناصية فرسه، قال عمرو بن معد يكرب :[الكامل] ٥٢٥٧ - قَوْمٌ إذَا سَمِعُوا الصَّريخَ رَأيْتهُم
ما بَيْنَ مُلْجمِ مُهْرهِ أوْ سَافعِ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤١٧
وقيل : هو الأخذ، بلغة قريش.
وقال الرَّاغب : السَّفع : الأخذ بسفعة الفرس، أي : بسواد ناصيته، وباعتبار السواد قيل للأثاقي : سفع، وبه سُفْعَةُ غضب اعتباراً بما يعلم من اللون الدخاني وجه من اشتد به الغضب.
وقيل للصقر : أسفع، لما فيه من لمع السواد، وامرأة سفعاء اللون انتهى.
وف الحديث " " فَقَامَت أمْرَأةٌ سَفْعاءُ الخدَّيْنِ ".
٤٢١
وقيل : هو مأخوذ من سفعت النار والشمس إذا غيرت وجهه إلى حال تسويد.
قال :[الكامل] ٥٢٥٨ - أثَافِيَّ سُفْعاً في مُعرَّسِ مِرْجَلٍ
ونُؤيٌ كجذْمِ الحَوْضِ أثلمُ خَاشِعُ
قال القرطبيُّ : السفع الضرب، أي : ليلطمن وجهه، وكله متقارب المعنى، أي : يجمع عليه الضرب عند الأخذ، ثم يجر إلى جهنم.
وقرأ ابن مسعود :" لأسفعن "، أي : يقول الله تعالى : يا محمد أنا الذي أتولّى إهانته، لقوله تعالى :﴿هُوَ الَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ﴾ [الأنفال : ٦٢]، ﴿هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ﴾ [الفتح : ٤]، والناصية : شعر مقدم الرأس، وقد يعبر بها عن جملة الإنسان، وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته.
قوله :﴿نَاصِيَةٍ﴾ بدل من " النَّاصية "، بدل نكرة من معرفة.
قال الزمخشريُّ :" وجاز بدلها عن المعرفة، وهي نكرة، لأنها وصفت، فاستقلت بفائدة ".
قال شهاب الدّين : وهذا مذهب الكوفيين، لا يجيزون إبدال نكرة من غيرها إلا بشرط وصفها، وكونها بلفظ الأول، ومذهب البصريين : لا يشترط بشيءٍ ؛ وأنشدوا :[الوافر] ٥٢٥٩ - فَلاَ وأبِيكَ خَيْرٌ مِنْكَ إنِّي
ليُؤذِينِي التَّحَمحُمُ والصَّهِيلُ
وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة، وزيد بن علي : بنصب " ناصِيةٌ كَاذِبَةٌ خَاطِئةٌ " على الشتم.
وقرأ الكسائي في رواية : بالرفع، على إضمار : هي ناصية، ونسب الكذب والخطأ إليه مجازاً.
والألف واللام في " الناصية " قيل : عوض من الإضافة، أي : بناصيته.
وقيل : الضمير محذوف، أي : الناصية منه.
فصل في معنى الآية والمعنى : لنأخذنّ أبي جهل " كاذبة " في قولها، " خاطئة " في فعلها،
٤٢٢
والخاطئ معاقب مأخوذ، والمخطئ غير مأخوذ، ووصفت الناصية بأنها خاطئة كوصف الوجوه بالنظر في قوله " إلى ربها ناظرة "، وقيل : إن صاحبها كاذب خاطئ كما يقال : ليل قائم ونهار صائم، أي صائم في النهار وقائم في الليل، وإنما وصف الناصية بالكاذبة، لأنه كان كاذباً على الله تعالى في أنه لم يرسل محمداً ﷺ، وكاذباً على رسوله ﷺ في أنه ساحر، وكاذب أنه ليس يبني ؛ لأن صاحبها يتمرد على الله تعالى، كما قال تعالى :﴿لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُونَ﴾ [الحاقة : ٣٧].
قوله :﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾، إما أن يكون على حذف مضاف، أي : أهل ناديه، أو على التجوُّز في نداء النادي لاشتماله على الناس، كقوله تعالى :﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف : ٨٢]، والنادي والندي : المجلس المتجدّد للحديث.
قال زهير :[الطويل] ٥٢٦٠ - وفِيهِمْ مَقامَاتٌ حِسَانٌ وُجوهُهُمْ
وأنْدِيةٌ يَنْتَابُهَا القَوْلُ والفِعْلُ
جزء : ٢٠ رقم الصفحة : ٤١٧